لا ينقطع الإنسان عن تشكيل الأشياء تشكيلاً ناجماً عن الاجتماع، ولا ينثني في السعي نحو الأدوات وامتلاكها وتطويعها، بما يحقق له الرفاهية كما بات يفكر. ومع كل تغير تظهر الأدوات وتخلق عالمها، تماحك السائد وتناوشه حتى تبلغ مبلغها وتخوض معركة البقاء.

موقع التواصل الاجتماعي (facebook) من الأدوات التي ظهرت بفعل ثورة الاتصالات، والتي أثرت بعمق في السلوك الثقافي بمعناه الواسع، بحكم وظيفته التي تأتي في بؤرة التأثير ومركزه. ويبدو أن الشعر بوصفه فعلاً تواصلياً واقعاً في خضم التغير الجاري، ولعله من المبكر الحديث عن شكل شعري ناضج، يمتلك مواصفات فنية خاصة وجديدة، إلا أن إطلالة من شرفات الـ (facebook) تظهر وجود نوع جديد من الكتابة الشعرية، نوع يتقاطع مع قصيدتي الومضة والحالة.

لقد أشار الشاعر زكريا محمد في تجربته التي لامست ما نحاول تقديمه هنا، والتي أصدرها في مجموعة حملت عنوان (كشتبان)، إلى التأثير الاجتماعي الكبير على الشعر، حتى قال بوجود قارئ صديق، وبالتالي شاعر صديق، إلا أنه لم يستعمل الحائط ولم يكتب عليه قصائده، فقط علقها على الحائط كما علقت المعلقات قديماً، ومارس الكتابة والمحو على صفحة (word)، لكننا في النهاية نستطيع الاتفاق على هذه السمة الاجتماعية في قصيدة الحائط.

وترتبط التوجهات المضمونية في هذه القصيدة الناشئة بالسمة السابقة ارتباطاً عضوياً، فهي تذهب باتجاه النصح والحكمة والتعريف والمفارقة واللوحات السلوكية الاجتماعية، وتتقاطع مع قصيدة الحالة، لتؤثر بذلك على الشكل والتقنيات الفنية، لتظهر قصيدة حائط تمتاز بالقصر غالباً، تماما كقصيدة الومضة، فضلاً عن قصر الجملة وتكثيفها، وبساطة اللغة والسرد والتركيز على الوصف.

هذه مجرد انطباعات تحتاج إلى دراسة وبحث وجولة علمية في عالم الـ (facebook) تحصي وتدرس السمات والتقنيات الفنية والمضمونية لهذا الشكل الجديد من الكتابة، ونحاول في هذا الملف تقديم شهادات من الكتاب تتعرض لهذا الشكل ولآلياته وارتباطاته النفسية والاجتماعية، علاوة على عدد من قصائد الحائط لشعراء من فلسطين والوطن العربي، تضع أمام القارئ نموذجاً.

  • شهادات

الشعر بين المشي والقراءة والـ (Facebook) | ناصر رباح

تجربتي في ضوء قصيدة الحالة على الفيس بوك | حسام معروف

  • مُعلقات ” نماذج لنصوص كُتبت ونُشرت مباشرة “

ناصر رباح

  • فلسطين

مثل برق أضاء روحي ثم ساد البكاء، مثل كلمة أطلقت علي صمتها الطويل، مثل مس من الكهرباء، كانت الحديقة تتفتت بين يدي، رمانها يتقافز في ماء أساي، ويصعد الماء جديلةً للعنب، والعشب يدهن السياج بورد مالح ونصائح، كان الجيران ينظرون إلي كميت طازج، وكنت أحدق في كائنات مبهمة، كان غبار غامر في القلب، ونحيبي يهرول مثل قطيع يعود إلى البلدة آخر الوقت، أحدهم كان قد مات ولم أكن قد صدقت بعد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تقول البئر: ما حاجتي للبكاء، كلي دمع، وعيني واحدة!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جالساً فوق الطاولة كراهب في التبت، أتأمل سماء غرفتي، ورجلاي تظللان العالم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حزين كزجاج مكسور، يتجنبه الحفاة.

حسام معروف

  • فلسطين

[ 1 ]
لحظة القصف، ينكمش الجسدُ كأنّه نملة!

[ 2 ]
بعد القصف، أسمع صوت زجاج يتكسّر داخلي، أظنّه الأمل.

[ 3 ]
ليتها الحربُ، تُسلّمُنا لموتٍ نعرفه.

[ 4 ]

ثمّة ابتسامة لك في الحرب، فإن أيقظك الصاروخ من نومكَ، هذا يعني أنّك ما زلت تحيا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[ 1 ]
أنا العشب
أخطئ عمداً في عدّ خطاكِ عليَّ
لتعيدي الخطوات ذاتها
متوهمة بأنّها الحياة.

[ 2 ]
أنا حليب الضوء
حين يدع الأشياء كلّها
ولا يتعامد إلّا على وجهك.

[ 3 ]
أنا قمحكِ
حين ينام الطين على صدركِ ويتشقّق.

[ 4 ]
أنا ماؤكِ
حينما السماءُ
تحشو غيمها في قلبكِ
لتبلّله

[ 5 ]
أنا نعومة خدّيكِ
حين تصنعين من نمشكِ نبيذاً.

[ 6 ]
يصيح حبلُ الغسيل
بينما هواء مشيتكِ يمسّده
فأكون أنا العقدة.

[ 7 ]
أنا دم الشوكولاتة
بكائي
لأنها “تولد على يديكِ
وتموت في فمكِ” فقط.

[ 8 ]
أنا صوت اللّاشيء
أقلد تسبيح الطحلب
حين يتبعكِ جبلٌ تائه.

أحمد أبو عواد

  • فلسطين

لكثرة طعناتك،

صرت كلما مرت بي ريح

غنيت!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أمسك يدك

كي لا تضيع

الطريق!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لطالما اتفقنا أن الماء مرآة، ولكن

لماذا حين نقفُ معاً أمام

النهر

لا أرى إلا وجهك!

عثمان حسين

  • فلسطين

إليها

بعين الروح

أراك ترشحين وجداً صامتاً

وتستدرجين النوايا إلى فخاخ البوح

وبعيني رأيتك شمعة

تضيء فكرة عزلاء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

غير صالح لشيء هذا المساء

لذا سأمضيه غافلاً بين سلكين شائكين

الشوارع توجعها أقدام الغافلين

يركض الملل نائماً

يحمل شارة حمراء

الشارة دخلت في عين الثور ولم يحرك ساكناً

لا تقل شيئاً أيها المساء

صرتُ أذُناً أرهقها القولُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ظلي

يمشي إلى جواري، مانحاً إياي الرفقة

نغذ الخطى كصديقين قديمين

أحياناً يستشيرني في ما سيحدث لو سقط فجأة في الطريق

– هل سأترك ظلي ملقى وبارداً؟

– ربما أمضي تاركاً إياه جثة تحمل أوزار الليل.

في الصباح سأتجاهل تلك اللحظة الخسيسة،

ونمضي نهارنا غامقين

نرتاح في عز الظهيرة راضيين

ثم

ليذهب ويحترق مثلي

يحترق كفراشة بلا بوصلة.

سهاد حماد

  • فلسطين

 

الوقت مجاز والفرصة احتيال،

لا بأس ببعض المشاغبات الأنثوية في المشهد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في منتصف الجدار دقت مسمارا ً

أنزلت منه حبلاً وعلقت وردة حمراء من عنقها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تجيد غواية الصباح بابتسامتها وإشراقة عينيها

تصنع في شارع الأفكار زحمة عندما تقرر العبور.

وهي في طريقها بين ممرات الكلمات اصطدمت بجدار وعدك لها

فابتسمت غير آبهة بتلك الكذبة، ومشت.

أنيس غنيمة

  • فلسطين

طاقم المركب أنا وحدي

والذين فيهِ جميعهم غرقى،

نعم، في العراء،

بيتي وحده يطلّ وسط ناطحات السحب

وكل هذه الأرض

أضعها في جيبي المثقوب

عندما أمشي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مرحباً أيها العالم الذي بلا فائدة

أيها الرجال والنساء والأولاد

والحيوانات الموحشة

أيتها الحياة في العشرين

الندوب التي في القلب

والخدوش كلّها

مرحباً يا أسيادي الطيبين

أعدائي دائماً.. وأصدقائي إلى الأبد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنتِ ضحكة أولئك الذين

لفرطِ جوعهم لكِ

يأكلون الحزن.

 

نور بعلوشة

  • فلسطينية مقيمة في السويد

لا أعرف

كيف لنا أن نستمر في هذا العناق

وأذرعنا غضة هكذا

فكفك ذراعك عني

فإني بحاجة

لأتون

كي يصبح هذا العناق

تمثالاً

لمحاولة كاذبة في الحب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذي القبائل التي فوق رأسك لا تزعجك؟

رائحة المقاتلين والأشباح والحرب التي تنز منك كأنها فرات من الآلام، لا تزعجك؟

لا يهم، طالما لا زلت تعرف كيف تقول أحبك

وإن كانت هكذا عطِبة

ومخدوشة تماماً

مثل آخر مرة مِت فيها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كانت في كل لقاء لا  تبتسم

تغرس إصبعها في وجنتها كمن يصب الماء في النهر.

ضحكت بملء غمازتيها

في لحظة الفراق.

أسامة جاد

  • مصر

الحبلُ الذي يرتعدُ تَحتَ أَقدامِي خائِفاً،

المشدود بعناية بين لحظتين عاريتين

وجمهورٍ لا يَكتفي بالفُرجة،

يسألُ بذُعرٍ عمَّن أزالَ الشِّبَاكَ المطّاطيةَ،

عن فوهةِ الهاويةِ التي تضحكُ تحتي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أخبروا الطبيب الذي تأخر في تبديل ثيابه

قبل زيارة منزلية في المساء:

لم نعد نحتاج إليه الآن

سوى لاستخراج شهادة صفراء جداً

في الصباح

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كلما هربت إلى الصحراء

طاردتني الغابة.

كلما أخفيت صوتي عن هوام الأرض

أمسكني القمر.

ريما أبو القمصان

  • فلسطين

كأن أعيدَ الكلامَ، أردده، أعودَ للأماكن ذاتِها، لشكلِ اللحنِ يرسمُ نبضكَ.

بوجعٍ سألتُكَ حينها: كيف تموت الأشياء؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صوتُكَ آخرُ لحنٍ في مسمعي، يشدُّ صوتي إذا ما انكسر وترُ الكلامِ مرةً عنك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وخشيتُ الفراقَ فأهملتُ الأماني العالقات على شرفةِ النورِ، وأولِ زهرةٍ ننتظرُ بلوغلها، وخشيتُ لو يأتي عليها المساءُ مرةً فتفوحَ رائحةُ النورِ، فأهملتها مراتٍ أُخر.

سماح حسنين

  • فلسطين

لأن طلقةً واحدة أخفقت سيرها ذات حرب, يُعاقبني الجنديّ كل مساء بخدشٍ عميقٍ في قلبي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الريحُ في الخارج صوت رجلٍ قضم القلق قلبه مرة واحدة، فبرد دمعه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لم أعرف إلا حنيني، في طريقي المشبوك بطرف عينيكَ لم أعرف غيره، يُعِد الكلامَ مخبوزاً على الحطب، شهياً يصيرُ، عندما تُشيرُ بيدكَ تفسيراً مقنعاً للحياة، ويبكي حين يفتح الغياب بابه للبياض.

ولا مرة تركت الفكرة لنفسها، ولا مرة فَتَحتْ عينيها على طبيعةٍ عاديةٍ من نعنعٍ وبرتقال، تتبعُ المطر دائماً على شهوة المحروم من موسمه فتغرق، تنام في خطوة النبضِ فترتعش الأرض على ذات المكان.

من شباكِ غرفتي إلى كل شيءٍ مؤجل معك يُولد الانتظار، من صباح الخير الأولى يحتمي الارتباك، ويضحك العابرون بخبثٍ، ويأتي النهار– على طريقتكَ وحدك– بصوابه المدهش، مُحمّلاً بما لا يقبله الجسد من هزيمة، يمضي، يُنهي تاريخاً صبّ الجنازة كاملة في المشهد، قبل أن يتحول لأغنية لا يُنقذها من النسيان غير موقفٍ هرب خلسة واختبأ في جيبٍ سريّ للروح.

يا حبيبي، أحاولُ أن أكون امرأة وجهها الطينيّ شيء لا يُشبه الصُراخ، وجسدها ينفع للجفاف، وعقلها السميك لعبة قابلة للثّني، أُغطي الفضول بالأجوبة، وأُصدق كذبكَ البدائيّ بعد أن يكبر على ذراعيّ كطفل خطفه العمر بغمضة عين، لكني لا أحزر، لا أستطيع أن أحزر مواعيد الانكسار، وأقول لي مراراً: “لم أجلد إلا ذنبي”.

سيد العديسي

  • مصر

نخشى الوقوع في الحب

كما تخشى القطط السقوط في الماء

ولكن إذا أحببنا

فإننا نبذل كل ما في وسعنا

كي نغرق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنا مزارع فاشل

ودائماً ما أنسى شيئاً يتسبب في كارثة

مثلاً

لم أحول مجرى المياه في الوقت المناسب، فأغرقت محصول القمح

أشعلت النار لأخيف الفئران، فكادت تلتهم ما زرع الجيران

وكثيراً ما ينبهني الصبية لألتقط فأسي من الطريق

هل سمع أحد عن فلاح ينسى أين وضع بقراته؟

يا حبيبتي، أنا مزارع فاشل وسيء الحظ

لكن صدقيني، كان باستطاعتي أن أكون ماهراً

لو لم يخلق الله بيتكم بجوار الحقل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كأيّ “صعيديّ”، لا أستطيع قول: أحبك

وكلما قررت القفز على التقاليد لأقولها خرجت: كيف حالك؟

فاعذريني لأنني أقول “كيف حالك جداً”.

قيس عبد المغني

  • اليمن

أيها الحب

دعني ألتقط لوحدتي صورة بجوارك

أيها السراب

حاول أن تلمسني لتكتشف حقيقتي

أيها العدم

لنكن أصدقاء

مُدَّ يدك وصافحني

أيتها الحرية

دعيني وشأني

أيها الليل

لن أستعملك بعد الآن

لأن امرأة جميلة وبعيدة تتناول عشاءها في غضونك

لأن هذه المرأة قد تحبني في أية لحظة

أيها النسيان

حدق في وجهي جيداً

هل تبدو لك هذه النهاية مألوفة؟!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أسعد رجل في العالم

حدث منذ بضع دقائق

واختفى في ظروف غامضة

عباس حسين

  • العراق

دجلة والفُرات

خَطان متوازيان من الدموع

يسير عليهما العراق مثل قطار حزين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أراد الماءُ أن يقول أنا حزين فابتكر العَطش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثمة شجرةٌ ما في مكانٍ ما، مكتوبٌ على أوراقها أسماء الناس

بين فترةٍ وأُخرى تسقط ورقة، بين فترة وأُخرى يموتُ شخصٌ ما

رُبما الانفجارات يَهزُّ أحدهم الشجرة بقوة.

Share on facebook
Share on twitter
Share on pinterest
Share on whatsapp
Share on email
Share on linkedin

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الأخبارية؟

سجّل بريدك الإلكتروني

الرجاء تعبة النموذج لحجز مساحة في الجاليري

طلب حجز مساحة في جاليري 28

سيتم التواصل معكم لإتمام الحجز

الرجاء تعبة النموذج لطلب مشاركتك باضافة محتوى في الموقع، مع العلم انه سيتم التواصل معكم لاعلامكم بنتائج الطلب او مناقشة أي تفاصيل

طلب المشاركة بمحتوى

ملاحظة: امتدادات الملفات المقبول pdf, doc,docx