الثانية عشرة بعد منتصف الليل. من النافذة تدخل حبات الهواء الباردة بسلاسة، ثمة خلل واضح في الضوء، إنه يميل إلى اللون الداكن، الحالة التي أنا عليها منذ أيام، الغرفة مغلقة جيداً، الوحوش لا تزال أسفل السرير، ينام البيت بأكمله، تنام العائلة، أغنية في أرجاء الغرفة من أجل تبديد رقّة الوحشة، على مهل، وكما في كل ليلة، أتذكر الأشياء السيئة التي قد أصابتني، الكثير من الذكريات التي تواصل الهطول كالمطر، مطر أسود، الكثير من الكدمات على جسدي، آثار غير واضحة لأيدٍ قد مرّت من هنا ولكنها ذهبت، العطر ذاته، الملابس ترتديني الآن، باوندات ثقيلة، أخبئ وجهي جيداً، أغمض عينيّ، ومن أجل دقيقة سلام واحدة أردد بصوت خافت: أنا بخير، ليس ثمة وحوش هنا. حشرجة في أرجاء الغرفة، أعلم تماماً أن فرص النجاة ضئيلة في هذه اللحظة، قلق يسيطر على الموقف، ارتعاشات يبعثها الجسد بفوضوية، أغمض مرة أخرى، هذه المرة آخذ على عاتقي أن أمنح نفسي دقيقتين، لا أحد يود أن يسقط في فخ الذاكرة، إنه جحيمنا الذي لا يهدأ، أنا في مهمة صعبة، هكذا أقول، إنني بين الحياة والموت، عبثاً أحاول السيطرة على الموقف، أشعل سيجارة، أمنح ذاتي رئة ثالثة، أنظر للجدار وأبدأ الرسم، عليك أن تمتلك مخيلة هائلة في هكذا لحظات، عليك أن تتغلب على الألم، على السؤال والحيرة، عليك أن تمنح نفسك إجابات طارئة، الخطر يحدق بك، من كل صوب يحدق بك. الغدة الوحيدة التي تعمل الآن والتي تفرز الكثير من أنزيمات الحذر لا تشعر بالكآبة، ليس الآن على الأقل، حاول أن تنهض من هذه الكبوة، إياك أن تسقط، تقول بصوت يرتعش: إياك أن تغرق. يدخل الصمت الآن سلّم اللعبة، وبحبال صغيرة يلتف حول يدك، ثم يتخطى ذلك كي يصعد مباشرة نحو عنقك، تشعر بالكثير من التشجنات الغادرة، إنها مثل اللصوص بغتة تأتي، تسرق ما تبقى لك من إيمان ضئيل، ثم تدير ظهرها لك، تزداد مساحة اللعبة، تفكر بطريقة أخرى، تدير رأسك إلى الخلف، تنظر إلى الركن البعيد من الغرفة وتركض خائفاً، تضع يديك على رأسك منتظراً أن تخرج الوحوش الصغيرة من أسفل السرير، ليس ثمة أمل، أنت وحيد، وحيدٌ جداً.