تسيطر غزة بقوة على مضامين ألبوم (أول خطأ)، كأرضية تحمل الحكايا، إلا أنها ظهرت كاملة في أغنية باسمها (غزة)، وهي باعتقادي أجمل أغاني الألبوم موسيقيّاً، فالجيتار الإلكتروني يمارس التشويش المميز للروك، ويتجلى أكثر من بقية الأغاني، علاوة على الأصوات الإلكترونية (Saw Synth) الموظفة مع الإيقاع الجريء، لتقدم روحاً أجمل.
الألبوم إنتاج (غزاوي) لفرقة خطأ مطبعي وهي فرقة شبابية من فلسطين – غزة لها طابعها الخاص في التعبير الموسيقي من خلال الدمج بين أشكال و قوالب موسيقية مختلفة ، تأسست الفرقة في فبراير 2012 ، تحاول من خلال أغانيها المقدمة نقد الواقع الاجتماعي الفلسطيني والعربي وحث الشباب على التفكير والتغيير إيمانا منها بأن الموسيقى محرك أساس لنهضة المجتمع.
(أول خطأ) ليس اسماً لإحدى أغنيات الألبوم، وهو على ما يبدو إشارة إلى أنه ليس الأخير؛ ثماني أغنيات تناولت مجموعة مهمة من القضايا الغزية، بكلمات عامية بسيطة، ومشاهد مغرقة في المحلية.
يبدأ الألبوم بأغنية (لُمتونا)، على لسان شاب هجر البلاد بعدما فقد الأمل بالمستقبل في غزة. يقول للمجتمع: كيف يلام شاب يرى حياته تسرق، وتتحطم أحلامه في واقع متهالك؟ تتجاهل الأغنية الشعارات التي تدين المهاجرين، وتتحدث بواقعية وبمنتهى البساطة عن الشعور الثقيل بالإحباط.
الأغنية الثانية طريفة، تخاطب (أم محمد)، التي يلتصق بيتها ببيت شاب يحاول الصعود إلى سطح منزله، إلا أنها تنشر الغسيل. رغم بساطة الأغنية، إلا أن هذه الحكاية تحصل يومياً في غزة. الموسيقى أيضاً طريفة، توحي منذ بدايتها بطرافة المحتوى.
هدوء شديد في أغنية (بسابق عمري)، يقود مقدمتها البيانو وخلفية الأورغ متزامنين مع دخول الغناء، غناء مربك بين الحزن والصبر، عن إحساس عميق بالتعب. إنها أجمل كلمات الألبوم، تصف ما يدور في رأس المواطن البسيط، الذي يعاني صعوبة الحياة. تخيلت كم تناسب هذه الأغنية أهل القطاع: العامل البسيط، سائق سيارة الأجرة، بائع الخضار، والموظف الغلبان، وجميع الفئات المجتمعية. أغنية يمكن أن تقودك للبكاء (لو كنت حساساً قليلاً)، اللحن بسيط وجميل، ويلامس القلب.
تتسلل أغنية (عادي) بنغمة هادئة وحزينة، تصف الأطفال الباعة والناس تتجول وتشتري وتشاهد دون أي تأثر، وكأن الأمر (عادي). يغنيها المغني الرئيس بصوت حساس لطيف يذكر بأداء(Cold Play) حين يصعد إلى الطبقة العليا من صوته. إحساس عالٍ وآربيجيو بيانو مع آربيجيو مقلوب على صوت جيتار نظيف (Clean Guitar)، وتضيف الفيولا سحابة من الظلال تمهد لصعود توتر الأغنية في نهايات المقاطع: “مين اللي جبرك عالعمل؟ وتعيش حياة لا تحتمل؟ مين اللي كسر فيك الأمل؟ سرق الطفولة بكل سهولة رماك وما سأل”.
وعن قصة بنت الجيران الكلاسيكية، أغنية بسيطة بإيقاع شرقي (وحدة ونص)، تتوسطها تحويلة ناعمة للسلم الموسيقي، تمهد للحزن الذي يرافق وصول العريس الذي خطف الحبيبة بوظيفته وماله (كالعادة).
في نهاية الألبوم، تأتي أغنية (أحلم بالنور) التي نشرتها الفرقة مبكراً بفيديو على يوتيوب. أغنية حالمة جدّاً، تنقذك من الإحساس باليأس المحيط بغزة، تنطق برسالة مختلفة عن الشعارات المعتادة، فالثورة هذه المرة ثورة على الذات والمفاهيم: “ما تسيبهاش زي ما هيه، غير مفهوم الحب والحرية، اكتب ع قلوب الناس أنا موجود، اخطف بعينيك من أرواحهم مشوار الخوف، امسك فرشاتك، لون حياتك، سيب اللي فاتك واحلم بالنور”.
الموسيقى، في مجملها، غلب عليها الخجل في التوزيع، فالآلات التي تعودنا صخبها (الجيتار الإلكتروني، الدرمز، الكيبورد) ظهرت بخجل أمام الغناء، وهذا لم يكن موفقاً، فالألحان والكلمات كانت تتطلب أن يحملها الصخب والطاقة المتصاعدة، كما أن الهروب نحو الأسلوب المصري في التلحين أثر على الطابع الغزي. كنت أتمنى سماع هذه اللهجة الثقيلة، صعبة المراس، مغناة ومروضة بين الأزمان الموسيقية، كما يفعل المصريون واللبنانيون وباقي العرب بلهجاتهم. إنه أول ألبوم موسيقي للفرقة، وهو تجربة ممتازة: الموسيقى يحملها العنفوان، والكلمات مليئة بالإقدام على ارتكاب (خطأ) وتحدي غير المباح.
- نُشِرت هذه المادة في العدد السابع من مجلة 28 الأدبية الثقافية