مررت بمنزلها في طريقي إلى مطار عمان. قالت: جايب معاك ريحة الوطن. قلبنا صفحات ألبوم الصور. لم يكن هناك سوى ثلاثين صورة. أما الباقي فهو في منزلها في مدينة غزة على الرغم من أنها من القدس التي لا تستطيع العودة إليها أيضاً. إنها تعيش هنا منذ أربع سنوات، لكنها لا تريد أن تحضر جميع ألبومات الصور العائلية؛ هذا ليس بيتها، هذا مجرد محل سكن. نكبة مستمرة.
عنكبوتية
كان المشهد مرقطاً بأعمدة الكهرباء الخشبية وقد سقط أحدها، لكن وُجد حل للمدى القصير عبر إسناد العمود على صخرة كبيرة، ما تسبب في تقاطع الأسلاك الكهربائية عبر الأفق. كان ذلك العام 1973، تذكر (م) فقط بعد رؤيته هذه الآثار الخشبية الحية، بأنه كان واحداً من المجموعة التي شقت الحفر وغرست فيها جذوع الأشجار للسماح للكهرباء بالوصول إلى هذه القرى النائية الصغيرة. لم يكن هناك مقابل مادي لإتمام تلك العملية، كما لم يكن لدى القرى مصادر مالية. لقد كان هذا نوعاً مختلفاً من العمل التطوعي، على عكس الاستخدام الشائع اليوم عالمياً للمصطلح الذي يحتم عليه التماشي مع النمط الرأسمالي للقيمة المتبادلة، حيث يعتبر التطوع عملاً غير مدفوع الأجر يؤديه الوافدون الجدد إلى نمط الإنتاج الرأسمالي بهدف وحيد، وهو الحصول على الائتمان اللازم لدخول سوق رأس المال. يصف (م) روح العمل التطوعي المرتبطة بحس الانتماء إلى المجتمع؛ العمل التطوعي المتأصل في الوجود؛ العمل الذي يرفض الحاجة إلى المؤسسات؛ هو العمل الذي تسوده النزعة النضالية، سواء أكان في شق الحفر أم قطع الأشجار، أم تنظيم جلسة عامة لقراءة الكتب، أم توفير رعاية للأطفال حتى يتمكن الآخرون من العمل أو الكتابة أو النوم، أم المشاركة في قطف الزيتون الجماعي، أم إعداد الطعام لمناضلي المقاومة المختبئون في الكهف أعلاه.
على الرغم من أن استكشاف الكهوف، أو الاستغوار، يعتبر فعلاً قديماً، فقد اجتمع نادي الاستغوار الفلسطيني من أجل إرساء ممارسة إخراج الناس من عزلتهم للمشاركة في التمتع بالطبيعة المحيطة بهم -التي يأتي الاستيلاء عليها في صميم الاستعمار الصهيوني- واستكشاف الكهوف، واستكشاف الطبيعة، والتقارب الحميمي معها، ورسم تفاصيلها، والحفاظ على الحس بالانتماء المجتمعي المرتبط بالأرض، بقدر الارتباط بالمجتمع الذي يحيا على تلك الأرض، وبالقرب منها وفيها. إن هذا مجرد شكل آخر من أشكال المجاوَرة. في اللغة الإنجليزية، لا توجد كلمة واحدة تقدم ترجمة مرضية لهذه الكلمة «مجاوَرة»، على الرغم من أنها ممارسة عفوية في كل مكان؛ فهي تعني تبادل المعرفة في الحياة، من خلال الوقت الذي نقضيه في المجتمع، وتناقل الحكمة من كبار السن، وتقاسم الحياة بكل أبعادها. والمجاورة هي الأكثر حيوية في غياب الدولة، التي تبلغ ذروتها هنا في لحظات الانتفاضة، وهو الفعل ذاته الذي يسائل المؤسسات، عن طريق الامتناع عن دفع الضرائب التي يفرضها المستعمِر، ومقاطعة منتجات المستعمِر، وجعل الإضراب ممارسة شائعة في أماكن العمل، وعندما تختبئ المدارس تحت الأرض، ويتم تبادل السلع بالسلع، ويزيل تقاسم الاستراتيجيات والمواد الغذائية الأغلال التي تربطنا، والمؤسسات التي تحكمنا، المدمرة لروح المجاورة. ينفذ العدو مجموعة متنوعة من استراتيجيات الهجوم وإطلاق النار والاعتقال، ومن ثم حظر، وتنقيد، أو ببساطة مأسسة التجمع معاً. حتى إنهم يسعون إلى منع الدبكة، ومنع تجمع الأطفال للرقص، وتجريم حركات أجسادهم الانسيابية والمتسقة مع الأنغام. على الرغم من ذلك، لا يزال الفتيان والفتيات يلتقون في جمعية شباب البلدة القديمة في القدس للدبكة. وفي بعض الأحيان يضطرون لأن يجتمعوا سراً ليقوموا لاحقاً بالأداء علناً، وعليهم أن يعدّوا عدد الأشخاص قبل وبعد كل عرض لمعرفة المتغيبين الذين ربما اعتقلهم جنود الاحتلال واحتجزوهم بعيداً. أخبرني أحد الدبيكة أنه في طريقه من وإلى التدريب، يكون دائماً متيقظاً ومنتبهاً للحركة في الشارع ونقاط التفتيش وأماكن تواجدها، وما يفعله المخبرون. مؤسسة الاحتلال خائفة إلى هذا الحد.
«بدهم فاتورة ضريبية»
جلسنا تحت ظلال الأشجار الواقعة بين منشآت الكيماويات الصهيونية المحظورة شرقاً، والجدار غرباً، اللذين ساهما في سرقة ثلثي أراضي مزرعة حاكورتنا. إنه المكان الذي واظبت فيه الأسرة على وضع تفاصيل سبل المقاومة، مثل التلكؤ والتأخر في الخروج منه، كلما سمحت لها الأوامر العسكرية بدخول أراضيها لوقت محدود. وعندما جاء الجنود للبحث عنهما، اختبأ الزوج معاً لدرجة أهلكا فيها الجنود. وهنا أيضاً اعتقل هؤلاء الجنود الرجل مرات عدة، بينما واصلت هي العمل تماد على الذات من خلال الزراعة بالاعتماد على مياه الأمطار، وإنتاج الأسمدة من النفايات المحلية وجمع وتخزين وإعادة إنتاج البذور. ثم انحنت أم عدي لتهمس في أذن أبو عدي، «بدهم فاتورة ضريبية».
الكرمل
الكرمل، فندق يحتل أعلى نقطة في المدينة. إن الكارثة السياسية في تسمية الفندق تحتاج إلى تفسير. الكرمل، هي سلسلة جبال لا تبتعد كثيراً عن مدينة صفد، والتي تنازل محمود عباس، الرئيس الفلسطيني، عن حق العودة إلى بيته فيها، ليمنحه كهدية كما لو أن حق العودة ملكه وحده لكي يهبه للآخرين.
احتلال العقل
زائر (أ): «هل سبق لك أن زرت فلسطين؟»
زائر (ب): «لقد زرت إسرائيل فقط، هذه أول زيارة لي لفلسطين».
«جنون!»
كيف لهذا ألا يكون صرخة من الأعماق تعبيراً عن الغضب في كل مرة تتصاعد فيها أساليب الاحتلال المنتشرة أمام أعيننا. «جنون!» أن جميع موظفي سفارة الاحتلال هم من البيض. «جنون!» إغلاق الطرق وحواجز التفتيش من قبل الجنود المستعمرين متى شاؤوا. «جنون!» الفصل الممنهج للأسر من خلال نظام بطاقات الهوية. «جنون!» استمرار سرقة المنازل والأراضي في كل مكان يمكن أن تراه العين. «جنون!» السماح للعصابات المدججة بسلاح المستعمر العبث في المجتمع ليتآكل من الداخل، الشقيق ضد الشقيق، بينما يقتل جنود تلك العصابات بدم بارد فتاة تبلغ الخامسة عشرة من العمر لا تحمل سوى مقص على أبواب المدينة. «جنون!» كل من لا يسمي الأشياء بأسمائها. «جنون!» أن يصبح أكل لحوم البشر شيئاً طبيعياً.
«أنا غفيت»
علينا أن نستريح لكي نواصل النضال؛ النضال القادم، لنغفو قليلاً كي نحارب أعمق رغبات المحتل. علينا أن نرعى ذلك الغضب، وألا نسمح له أبداً بالراحة. لن نختفي.