مرحبًا يا أسلافي، هل تتحدثون إلي؟ إنّه يوم هذه الأرض، وكل الأيام لها. أعرفُ ذلك، لكن ألا تعرفون؟ حلّ السادس والعشرين من كانون الثاني/ يناير مرةً أخرى؛ يوم الرفاق البيض، يوم يحتفل فيه البعض، ويبكي آخرون. هل تسمعون الأرض؟ إنه صوت ذكريات شعبها النابض. هل سمع الجميع؟ هذه النبضات، هي لكل قلوبنا المكسورة، المفطورة على العائلات المفقودة في الحرب الجارية، وعلى الأطفال الّذين ما فتئنا نفقدهم.
إنها ذكريات كبيرة ومؤثِّرة، حيث تبكي الأرواح معرفتها العميقة بأصحاب الأرض الحقيقيين. بمَ نحتفل؟ بدولةٍ سُرِقَت؟ بدولةٍ كُسِرَت؟ هل نبحث عن كل أنواع الشرور؟ استغرق الأمر عشرات آلاف السنين لنتعلم كيف نُدير الأرض بطريقةٍ صحيحة، كيف ندير المياه، والسماوات، والنجوم. لستُ منزعجةً كثيرًا، لأنّي الأرض.
إنّه يوم هذه الأرض، وكل الأيام لها. على كل حال، أسموه ما شئتم، يوم أستراليا الوطني أو غيره؟ يوم للثرثرة؟ تفاهة كل هذا اليوم لا تعنيني في شيء. أخبروني أنتم، ما الجيِّد حِيال اللّاشيء؟ أقل من جزء من الثانية، في فضاء الوقت. يوم واحد! لِمَ؟ يوم واحد ليس بشيءٍ، بالنسبة للوقت الّذي قضاه أسلافي هُنا، يعتنون بهذه الأرض التي تحكمها الأعراف، ليُحافظوا عليها قويةً يومًا بعد يوم. هل ترغب في تجاوز ذلك أولًا؟ بهذا يكون التفكير الحقيقي في السيادة. الملكية الحقيقية تأتي مع مسؤولياتها؛ أي أن ترعاها وتحترمها. وأشياء من هذا القبيل. البقاء يُمثّل روابط غير مُنقطعة، ولا يُمكن أن تُقطَع؛ جذور عميقة، أساس عميق.
إنّه يوم هذه الأرض، وكل الأيام لها. أنا أتحدث عن تجربة سحيقة. كيف يُمكننا أن نُنمي جذور ضاربة مثلها؟ ليس مثل قصاصات ورق صُنعتِ بالأمس، قبل ثانية. واهي وزائل هذا النوع من الأمور، حين تقول أنّك تملك أحقية في الأرض بدلًا من الرفاق السُّود، ظانًا أنّك بلغت القمة. لا قيمة لما فعلت، لستَ مالكًا. قصاصةُ ورقٍ تخزُ القلبَ، وتُغطي السطح بِسُمٍّ فقط. لن تقوى قصاصتك على اختراق القانون العميق في رأسي. ينهار هذا النوع من الأكاذيب في نهاية المطاف، يتآكل لسوء حظكم، مثل الرياح العاصفة المتدفقة من منزل حُكم أيّ رفيق أبيض، والمُسمّى حكومة. هذا أمر صغير، له شأن كبير. تعصف الريح بالأوراق بعيدًا، لا من أوراق في مهب الريح.
أتودون معرفة من يتحدث؟ أنا أتحدث! ليس لديّ مشكلة في الاعتراف، لأنّني الأرض. لا ورقة ملكية لديّ. محض عجوز يتحدث بالحقيقة، وهذا كل ما في الأمر. حكيم البلاد، رجل روحانيُ يتداول قصص القانون منذ زمن سحيق ويعيش في مؤخرة عقولكم. لكنّه يعيش الآن في سلة قمامة على عجلات، محشور بين القمامة وبين أكوام النفايات، بين أفكار قبيحة، وعرق كَثيف يتسلل إلى كل مكان مثل القمل. لا تقلق، فقذارات مثل هذه تجف على بشرتي فقط، وتلتصق مثل الغراء الساخن في ذهني، لكن يُمكنني الانتظار إلى الأبد. سيأتي شخصٌ ما ويجمع القمامة في النهاية، وستُفرزُ في كومة كبيرة واحدة في المكب.
مرحبًا يا أسلافي، لاحظتُ أثناء حديثي كيف اكتسبتم قليلًا من الوزنِ هذا العام. تبدون رائعين بينما تتمايلون تحت السماء عند الغروب. فكّرتُ فيما إذا كنت أحلم بأنّني أنتم، أم أنّ غيوم العاصفة تزداد ثُقلًا في ذهني أثناء جلوسي في أراضي بلدي الروحي، الّذي يتحول إلى سلة قمامة بعجلاتٍ، ويقول الرفيق الأبيض أنّها ليست ملكي بعد الآن. كيف تبدون؟ كيف يبدو عقلي الروحي وعقلكم! كيف سأصف أحلام الأسلاف داخل روح أغنية الرجل العجوز، والمرأة العجوز، والطفل الصغير الساكن والخائف من تسلق النايلون الأبيض الّذي يتكاثر فوق الأرض خانقًا الحياة فيها، وفي الطفل غير البالغ وعقلهم، لقد خسروا الأحلام في حضرة نباح الكلاب المتواصل.
أراقب ظهوركم الغامض على طول خط الأفق، وأراكم كيف تفكرون بينما تشحنون أنفسكم عبر ذاكرة كل أفكاري. أرى أنّكم أتيتم إلى الحفلة المجيدة هذا العام مُرتدين أشياءً مختلفة، مُنتحلين صفة جسد زوبعة بخلايا فائقة، وداخل حرارة قلبكم هالةٌ تلقي اللّهب على المشهد. تبدون كبارًا جدًا، مُمثلين جيّدين للغاية، تزأرون نارًا ضارمة عبر البلاد، بكل هذه العظمة، بحضورٍ ظاهر، وكله رعد وصخب. ربما تبحثون عن معنى، أو انتقام أو عقاب، أو مكانٍ يُخبئ قصتكم بأمان، وسري داخل عقول المُسنين الحافظين له، أو من حيث سُرقت من الأرض، أو حيث ترقدُ في قبور عائلة سُلِبَتْ قدرتها على الاهتمام بالأرض، أم أنّكم تبحثون عن أكاذيب مُخبأة على قصاصة من الورق في مكان ما، مقفلة في خزانة شخص ما.
تبدون متطرفين، وعلى عجلة من أمركم. قال علماء البيئة إنّ العواصف الغريبة المتكررة هي نتيجة لتغير المناخ، لكنّني أعتقد أنّ ظهوركم كان نتيجةً لتلك القطع الصغيرة من الورق الّتي تحكي الأكاذيب حول ملكية الأرض لأشخاصٍ لا يعرفون قوتك. أفترضُ أنّ قصة الأسلاف يجب أن تبدو بالطريقة الّتي قرّرتُم أن تُظهروا بها أنفسكم، فقد كُشف عن قصتكم القوية للألفية على أشدّها.
لكنكم تصبحون أكثر ضخامةً، وتظهرون في الأفق خارجين عن السيطرة على الأرض، وتتحكمون في عقلي. كلما ضغطتم أكثر، لا أتمكن من العثور على إجابةٍ لِما يجب أن يظلّ تحت السيطرة. أين كل حفظة القصة الصحيحة؟ من سيغني لكم كل القصة المقدسة لكيلا تشعرون بالوحدة بعد الآن، هل بقي منهم أحد؟ أيّ أحد؟ أيّ شخص في حفلة عيد الميلاد؟
يا أسلافي، أنتم تُفجّرون سلة المهملات. تنتشر المواد البلاستيكية في كل مكان، وتتطاير مع النوارس في العاصفة، وقد رُميت بين حفاضات الكيمبي القذرة، وصواني اللّحم المصنوعة من البوليسترين، وعلب البيرة الفارغة، وكلها بالآلاف تدور في الغلاف الجوي. انطلقت الأدخنة السامة والحمضية. تهبُّ رياح قُويّة وتُسقِطُ قمم الأشجار وترميها لمسافة كيلومترات، وتضرب جذوع الأشجار في الأرض. سبقَ سحب الرماد جدارٌ من المياه الطينية المتدفقة فوق الأرض، جارفةً الماشية والأغنام مع الشاحنات والسيارات عبر المنازل المغمورة بالمياه. لستُ إلّا محض رجل عجوز ضعيف البصر، لكنّي فهمتُ الصورة. أتّفق معكم.
إنّه يوم هذه الأرض، وكل الأيام لها. كما تعلمون، وربما أكونُ مخطئةً هنا، لكنّني أعتقد أنكم تعون قليلًا ما يجري هنا. أرى الطريقة الّتي تتحدثون بها عن السيادة الحقيقية عندما تُظهرون لغة الأرض، وفي الطريقة الّتي بعثتم فيها بعض القصص بسرعة من عالم الأسلاف. ثمة ثعالبٌ عجوزة نحيفة جائعة تتناول طعام مكَة[1]، مع القطيع على مائدة إفطار مبكرة في يوم أستراليا الوطني. وثمّة نملٌ يعمل في التراب، تحت أجنحة فراشة ميتة، آخذًا إيّاها في رحلة طويلة، يبدو أنّها ستستغرق إلى الأبد؛ رحلة رائعة مثل السفر حول العالم إلى مقبرة الفراشات.
[1] يُشار إلى مطاعم ماكدونالدز في أستراليا بـ «طعام مكة».