أنا المتمدّدُ على ظهري كحديث السهارى، والوحيدُ كلدغةٍ طويلةٍ ومدوّرة. ها أنا أتقافز بين أيامكم التي تتسرّب منكم، بالونةً تتداعى في وجهِ الهواء. وها أنا أقفز من امرأةٍ إلى أخرى كما يقفز طالبٌ كسولٌ بين السطور.

أنا وحدي يا أخي، أبكي على الشجرة، وأصلب مسيحي على أوتادها. الندم مشيئتي، وحكمتي النار. أعترف وأكذب. أكذب وأعترف. حين أكتب لا أكتبني، بل تكتبني ريشةُ أحدهم بأمرٍ ماورائيّ. ولا أفكرُ، بل أسيل. أسيلُ لأن الفكرةَ جاهزةٌ من قبل. ولا أقول بل أفعل. أفعل لأن القول سبقته حالةُ النّزع. اسألوا عنّي المأساة في أصولها، واسألوا عنّي إسخيليوس: كيف خُلِقَ من دمي، وأبوللو: كيف سافرتُ به عبر الزمن، ووهبته مطرقة نيتشه حين أعياه العالم. اسألوا عنّي كلّ شيء.. كلّ شيء.

أنا اللحظةُ وحدسُها وقرينُها ودليلُها. أنا فأسُ ندمي وسكّينُ شاعري في وجه الخطيئة. روحي رامِدة. قلبي هامدٌ ودمي حرام. جسدي عصاي. بصري عماي. رأسي من حديد المناجم، واسمي نائمٌ تحت ضوء الحجر القديم.

أنا المتورّم كالندم يا أبي، المتدحرجُ من أعلى سفحِ التلّ. تلزمني أشجارٌ وأمطارٌ وقصائد، ومياه غامضة أشربها في قدحِ النهار. تلزمني نارُ بروميثيوس، وأغانٍ غير التي تستلقي في منامِ السّمع. يلزمني قمرٌ بحجم قبضةِ طفل، وأنجمٌ وكناياتٌ وحجرٌ بجناحين ومرآة، وسيدةٌ تكوي لي الثياب، وكتَّابٌ للـــوحي، ومجانين، وحائطٌ أكتبُ عليه ذكرياتي بالماء، وماء أكتب به ذكرياتي على الحائط. في الواقع تلزمني ذكرياتٌ تستحق الكتابة.

أنا النائم في قفص المطاط يا أمي. أحبُّ حين يساورني الشكّ، وأكره عندما يستبيح الشعرُ لغتي. جلدي ناعمٌ وأظافري قصيرةٌ وسؤالي عن الوجود لا نهائي. أصيرُ فكرةً متى شاء لساني أن يستريح. أصير حزناً متى شاء بكائي أن يكتمل. أصيرُ ندماً متى شاء لقاتلي أن يصحو، وأصيرُ موتاً متى ما صحوت من قفصي.

  • نُشِرَ هذا النص في العدد السابع من مجلة 28 الأدبية الثقافية
Share on facebook
Share on twitter
Share on pinterest
Share on whatsapp
Share on email
Share on linkedin

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الأخبارية؟

سجّل بريدك الإلكتروني

الرجاء تعبة النموذج لحجز مساحة في الجاليري

طلب حجز مساحة في جاليري 28

سيتم التواصل معكم لإتمام الحجز

الرجاء تعبة النموذج لطلب مشاركتك باضافة محتوى في الموقع، مع العلم انه سيتم التواصل معكم لاعلامكم بنتائج الطلب او مناقشة أي تفاصيل

طلب المشاركة بمحتوى

ملاحظة: امتدادات الملفات المقبول pdf, doc,docx