ثلاثة في الغابة يبحثون عن من هو الراوي الصادق في الحقل المزيف الي نحياه؟ ما هو شكل الحقيقة؟ ما هو طعم الحرية؟ الأغلب يعتمد في سرد روايته على الكلمات المؤكدة، ولكن من علامات العقل الواعي الاعتماد على الشك والتجريب والابتعاد عن المظلومية والثقة العالية. ( كل واحد بيحكي عن روايته حسب ما بدو الناس تصدقو)، هذه الجملة تعبير عن أيقونة البحث الدائم عن الحقائق في بواطن الشخصيات التي تدعي العلم المطلق بالحادثة وعلى قياس نسبية الحقيقة بحد ذاتها.
لماذا نص راشومون بالذات؟
حاول المخرج من خلال استخدام نص الكاتب الياباني ريونوسكيه أكوتاجاوا إيجاد مقاربات واقعية للمجتمع الفلسطيني، فالشاهد هنا أننا نعيش في مدينة متعددة الوجوه، وكل الروايات التي تسردها حقيقية دون جدوى الحصول على فائدة هذه الحقيقة وإنما لزيادة التفكك والفرقة، نحن الفلسطينيون نُرّوج لرواياتنا من أجل اجترار التعب والابتعاد عن الرؤية الواحدة، فالبلاد تعيش في حالة انهيار سياسي واقتصادي، ومرتع للفساد واللصوص والقتل والظلم . راشومون تجسيداً لواقع نحياه.
فالإنسان أصبح لا يؤمن بالقيم الوطنية والأخلاقية، بسبب غياب العدالة وفوضى المقدس والحرام، فأصبحنا كالغربان التي تنعق وتحب سماع قصص الشنق وتمررها بشكل ساخر.
أشكر الله على هذا الجهل
المعرفة الزائدة في مجتمع موبوء تقتلك، تسحب طاقتك، الانتماء يصبح في أدنى مستوياته، فكرة إثارة الجدل والتفكير الناقد في مجتمع مأزوم، مجتمع السكون يعلوه، عقله بمثابة وعاء يقذف فيه الساسة ورجال الدين ما يشاؤون، هي فكرة سخيفة.
سرعة الانتقالات بين المشاهد
الحركة على الخشبة في أيام المسرح، هي أداة للكشف عن ملامح الشخصية الداخلية، فالحركة هي حاملة المعاني والمشاعر ولكن فلسفة الإخراج التي أرداها المخرج هي اسقاط واضح على واقع يُولِد الصراعات بشكل يومي ومتسارع تَذوب خلاله روايات وقصص الأفراد وتُنسى.
قامت الفنانة لينا الأسطل بلعب دور زوجة الساموري وكان عليها أن تظهر بأكثر من وجه وفي أكثر من حالة، المرأة التي اغتصبها قاطع الطريق، والمرأة المنجذبة لقاطع الطريق، والمرأة التي فقدت الثقة في زوجها عندما تخاذل عن الدفاع عنها، هذه الأدوار جملة من الانفعالات والتحولات التي تحتاج لطاقة وموهبة وغوص في كل حالة وهذا أمر مرهق لكن الفنانة استطاعت بقدر عالٍ من الاقناع من التمكن من كل دور.
في نهاية الأمر قدم المخرج رؤية اخراجية متماسكة، لافتة، تجبرك على عدم تفويت أي مشهد، استخدم الديكور الخفيف على أطراف المسرح وترك مساحة كبيرة للعب الأدوار، المخرج في مسرحيته قدم رؤية واضحة وقراءة ناقدة للنص وأظهر قدرة عالية على الصياغة، إضافة لاختيار الممثلين بدقة وفق ضوابط منطقية، إلا أن بعض الممثلين كان التمثيل التلفزيوني مسيطر عليهم أكثر من المسرحي، أستطيع القول بأن العرض مشوق ومتقن.