د. شفيق رضوان، فنان تشكيلي ولد عام ١٩٤١م في قرية نجد-قضاء غزّة، حاصل على دكتوراه فلسفة في علوم الفن من أكاديمية الفنون السوفيتية 1989م. عضو مؤسس للاتحاد العام للفنانين التشكيليين الفلسطينيين، وعضو اتحاد الفنانين العرب. عمل محاضراً للفن في العديد من الجامعات العربية والفلسطينية. أقام عددًا من المعارض الشخصية في أقطار عربية، وشارك في معارض عربية ودولية مختلفة. اقتنيت بعض أعماله في متحف بغداد للفن الحديث، ومتحف الشرق في موسكو.
- أسلوبكَ مزيجٌ تعبيري تأثيري تجريدي معاصر.. حدثنا عن بداية المراحل المعرفية التي مررت بها في الفن.
بدأت تجربتي في الفن التشكيلي، عندما هُجرتُ من قرية نجد، وقد كنتُ في السابعة بعد. بدأتُ أرسم البلاد والقرية التي هُجرت منها، والتفاصيل التي رأيتها في الهجرة من مكانٍ لآخر، وعندما كبرت، أحببت الفن الإغريقي، الذي أراه فنًا مكتملًا. وأعتقد أن الحرية تبدأ من العين؛ لذلك كنت طوال تجربتي، أرفض فرض القواعد الكلاسيكية، التي تحرم عيني من حرية الألوان، إلا أنني تنقلتُ في تجربتي، في عالم اللون الواحد، وكان لوني رماديًا. - كيف استطعت أن تحافظ على مشروع الفن، رغم خسارتك لموروثك الفني أكثر من مرة؟
فقدتُ الكثيرَ من أعمالي الفنية، بعد انتهائي من دراسة الفن في القاهرة عام 1964م، وقتها سافرتُ إلى الكويت، وبعد عام من استقراري هناك، تعرضت غزة للاحتلال، وتلقيتُ بحزنٍ كبير، خبر قيام أسرتي بإعدام أعمالي الفنية، خوفًا من الجيش الاسرائيلي، خصوصًا أن تلك الأعمال، كانت تحملُ حسًا وطنيًا.. والآن، أجيبكَ على هذا السؤال، وداخلي هاجسٌ كبيرٌ في البحثِ عن طريقة، يمكنني فيها الحفاظ، على موروثي الفني، كأي فنان في العالم الغربي، دون الخوف من الحرب. وإن نظرت إلى أعمالي، ستجد أغلبها لوحات صغيرة، يمكنني نقلها متى اقضت الظروف. وكان الفن وممارسته، رد فعل طبيعي داخلي، في كل مكان زرته وعشتُ فيه، حيث أنتجتُ مجموعة كبيرة من اللوحات، في فترة اقامتي في روسيا والكويت ومصر، ولديَّ موروث فني كبير، سقطت عليه الجدران في سوريا، ووقت وصول خبر ذلك إليّ، قلت: «فلسطيني تلاحقني الحروب أينما استطعت الحصول على الحياة».
- تنوعت أساليبك الفنية، كأنها مزيج جديد، ما الذي تراه عيناك، عندما تبدأ في مشروع جديد، وما الذي تحاول قوله من خلال الفن؟
ليس على الفنان السرد والتأويل، في ظل الاحتكاك المباشر مع التكنولوجيا، وعملية البحث عن القيم الجمالية المتغيرة، وفق مفاهيم العصر، وأرى أنّه يجب أن يكون الفنان، في عملية بحث مستمرة متجددة، تؤهله لتكوين فلسفته الخاصة، وأرى أن العمل الفني، يعكس التنوع الثقافي للفنان، وتقديره للأساليب الفنية المختلفة، وأعتبر تجربتي في مجملها، عملية بحث فلسفي في ماهية الفن؛ لبناء العمل الفني البسيط، الذي يحمل تراكم مبني على المعرفة، وأحاول اكمال دوائري الخاصة.. والفنان يراقب ويتابع، ويقف على الجماليات في الأساليب المختلفة، حتى وإن كان له اتجاه فني مغاير. - “مرام” هذا الاسم المقترن بسلسلة مشاريعك، والمعارض التي عُرضت فيها أعمالك.. حدثنا عن مرام.
أنا أعيش مع وِحدتي، بعيدًا عن أسرتي، التي أتواصل معها بالبريد والأدوات التكنولوجية الحديثة. مرام هو اسم أصغر بناتي، وأعتقد أنّ الحنين في الوِحدة، يدفعني لتفريغ ذلك في لوحة، وأعتقد أن الوِحدة تجعلني متفرغًا لممارسة الفن وتطويره، من خلال مراقبة بناء التكوين العام للوحة، والتفكير مُطوَّلًا في الألوان التي يُمكنها، أن تحمل كل المشاعر داخلي، لذلك تجد في أعمالي، لوحات بألوان باردة وأُخرى حارة، وهو نتاج طبيعي، لسنواتٍ طويلة من الحياة، بعيدًا عن الأسرة والأبناء. - حدثنا عن التغيرات التي حدثت بين الأمس واليوم، الماضي والحاضر.. وهل تعتقد أنك وأبناء جيلك، عشتم الحياة بجمالها البسيط؟
لكل جيلٍ أدواته، التي من خلالها تتشكل التجربة.. على أيامنا، كانت الأدوات محدودة، أمام ما يَشهدهُ العالم من سهولة في الوصول للمعلومة والمعرفة، كان الحصول على كتاب في الماضي، عملية تحتاج منك مجهود ووقت، قد يستغرق أيام وسفر من مكان لآخر، بعكس اليوم؛ إذ يمكنني البحث عن أي معلومة بأقل من دقيقة، الجمال الذي نفقده اليوم، هو تجربة السفر والتنقل. - ما هي رسالتك، التي تود قولها لقُرّاء مجلة 28 ومتابعيك؟
بعد هذه التجربة الكبيرة، أعتقد أنني ما زلتُ بحاجة إلى القرّاء، أكثر من أيِ وقتٍ مضى. ربما لا أستطيع أن أكتب، كما يكتب الشعراء، لكني أستطيع أن أُغذّي مخيلتي، من خلال القراءة. لا يمكن لغير المثقف أن يُنتج فنًا، المعرفة يَنتج عنها الفن، والفن تراكم معرفي، والتأمل هو غِذاء المشروع الفني ووقوده، الذي يُحافظ على استمراه.
نحن نقاوم عندما نواصل الحياة، ونستمر في العمل الإبداعي، لأن الفن والإبداع، لا يخضع للصواب أو الخطأ، بل هو تجربة مستمرة، وتساؤلات فكرية وفلسفية، ينتج عنها الفن والفعل الإبداعي.
- نُشِر هذا الحوار في العدد 13 من المجلة – انقر لقراءة العدد