شاعرية المقاومة، رحلة عبر فلسطين


كانت الفرصة قد تسنت لي ولأصدقائي العرب في العام 1997 لدعوة محمود درويش إلى بيت ثقافات العالم في برلين. وقد أردت انتهاز إطلالته الشعرية في هذا البيت كي يحصل تعارف بينه وبين بعض الكتاب والشعراء الألمان المهمين أيضاً. وقبل بدء الفعالية بقليل، كانت عيناي تبحث عن هؤلاء المهمين، إذ إنهم لم يصلوا بعد إلى القاعة التي سيقرأ فيها درويش بعضاً من أشعاره. ولذلك كان عليَّ الخروج والبحث عنهم لأجدهم أخيراً ينتظرون أمام قاعة الفعاليات الصغيرة في البيت، تلك القاعة التي تتسع لحوالي 150 شخصاً.
قدر كبير من القلق والارتباك كان قد انتابهم، إذ لا أحد غيرهم يقف منتظراً هناك. حاولت تبديد هذا القلق من خلال لفت انتباههم إلى أن الفعالية هي من نصيب القاعة الكبيرة، وهو الأمر الذي أدى إلى زيادة منسوب ارتباكهم، بدلاً من أن يُخفف منه. ومعاً دخلنا القاعة الكبيرة، حيث كان حوالي 800 شخص في انتظار قدوم محمود درويش.
لم يكن على رؤوسهم الطير، فقد كانوا قد وضعوا أيديهم فوق رؤوسهم. ربما كان ذلك موقفاً عجزوا عن إدراكه، وبخاصة أن إطلالتهم الأدبية يشهدها في العادة 80-100 شخص. ولكن هنا في هذه القاعة تواجد أناس حلوا على عجل من جميع أنحاء ألمانيا، هذا إن لم يكن البعض قد أتى من باريس ولندن كي يروا شاعر فلسطين الكبير محمود درويش، أو بالأحرى كي يكونوا في حضرته وهو يقرأ أشعاره بصوته. فأغلبهم قد سبق له أن تعرف على أشعاره. كانوا يريدون فعلاً سماع ما يفيض من روحه على اللسان، ما تتمتم به شفتاه، ورغبة منهم في ترك أنفسهم فريسة لغواية صوته وإيقاعاته وتناغم لغته.
كان ذلك قبل عشرين عاماً. والآن في 2017، أزور ذلك البلد الذي هو منه وفيه أقابله ثانية. ولكن، وللأسف، حين تركنا وترك لنا على هذه الأرض ما يستحق الحياة.
شهد اليوم الأول تواجدي في أعلى نقطة في رام الله. فمن على شرفة فندق الكرمل أسندت ناظري إلى المدينة كثيرة التلال، التي بدت مفتوحة على مصراعيها أمامي. تأملت الجهات الأربع فوقع نظري على الضريح الكبير الذي شيد للشاعر العظيم، رمز هوية الشعب الفلسطيني ورقم بطاقته.
وحين اجتزت شرفة الفندق، لفت ناظري أحد التلال الذي تقبض على قمته مستوطنة؛ مستوطنة إسرائيلية تطل على المدينة من أعلى، كما لو كانت تريد فعلاً التحليق فوقها.
وبذلك تكون قد ارتسمت هناك نقطتان مرجعيتان: فمن جهة، محمود درويش، ذلك الذي قامت أشعاره، المرة تلو الأخرى، بمنح تجارب الاضطهاد والقمع والمعاناة، ولكن قوة المقاومة أيضاً، بياناً وخاصية لغوية، ومن جهة أخرى مستوطنة إسرائيلية تجسد تعبيراً عن تدخل دائم في حياة الفلسطينيين، عن سطوة وعنوة وعنف تَطبع حياة المجتمع اليومية.
كان المصعد هو من أحضرني ثانية إلى بهو الفندق. وعلى المدخل قابلتني وجهاً لوجه قصيدة لدرويش، التي ربما ابتغت التذكير أو توجيه تحية للزائرين:

ها أنت يا كرملي كلّما
جرّدتني الحروب من الأرض أعطيتني حلماً
وها أنا أعلن أن الزمان تغيّر
أحبّ البلاد التي سأحب
أحب النساء اللواتي أحب
ولكن غصنا من السرو في الكرمل الملتهب
يعادل كل خصور النساء
وكلّ العواصم.


«محمود درويش»

إنها قصيدة من وعن سلسلة جبال الكرمل التي علمت أنها أطول سلسلة جبال في فلسطين. وفي قصيدته هذه يستحضر درويش مشهد هذه السلسلة الجبلية؛ كونها تشكل أساساً لوجوده، وأهم من أي شيء آخر اعترض أو قُدِّر له أن يعترض سبيله.
وفي الوقت ذاته، سمعت أن صاحب الفندق، محمد دحلان، هو رئيس المخابرات السابق في قطاع غزة الذي دوت شهرته على ما يبدو على خلفية قسوة أساليبه في التعذيب، وبخاصة في قطاع غزة. أما مدير الفندق الذي حدثنا عن فندق خمس نجوم لا تعوزه الروعة، فقد أشار، وبشيء من الفخر، إلى أن الفندق قد بني بأموال فلسطينية.
كنت أصغي إلى كلمات مدير الفندق وأنا أطيل النظر إلى كلمات محمود درويش مفتوناً بها.
في هذه الأرض يصعب استطلاع العلامات والإشارات، إذ إنها تعود إلى أزمنة مختلفة تتداخل كما الألواح المعمارية وتحدث اضطراباً. وفي حال كهذا، لا بد للضيف من دليل أو مرشد. لم أتوانَ عن اختيار درويش مرشداً. فتأملاته التي تفوح بها أشعاره تتشكل مفردات تصوغ نفسها بنفسها لتصب، من ثم، في روح شاعرية مقاومة، روح تأذن ثم تساعد في حل شيفرة الممارسات الثقافية للمجموعات الفلسطينية التي ننوي زيارتها.
ففي صلب المقاومة التي تمارسها هذه المجموعات، تقف، كما في قصيدة درويش الخاصة بجبال الكرمل، الأرض والدفاع عن بقعة ما، عما يُشكل ضرورة وجودية للفرد بحد ذاته وللمجتمع ككل. أنت إذاً أمام فضاء حر يسمح بالإصرار على انتهاج نمط حياتي ذاتي خاص به، وليس مفروضاً عليه من الخارج.
وبالقرب من الخليل في منطقة الحسكة، تقودنا مجموعة صغيرة من الشباب والشابات إلى أحد الكهوف، حيث تشكل الكهوف ملاذاً آمناً يوفر حماية. متوارية في الجبال، مكنت هذه الكهوف مقاتلي الحرية من أن يجدوا فيها، كلما تطلب الأمر، مأوى لهم. وعلى هدى وتوجيه من يقودنا، ننسلُّ إلى ظلمة الكهف وتتكشف أمامنا هناك منظومة متفرعة من الأنفاق. مرافقنا يشرح لنا أن هذه الدهاليز شكلت ذات يوم نماذج لتطور القرى والمدن الفلسطينية.
لم تكن تلك الكهوف سوى الأماكن التي أوجدتها الأرض التي تعيش المخلوقات على ظهرها. وهي مع ذلك فن عمارة يرتبط بأهل البلاد الملمين بحال بلدهم. نعم، هي بُنى عمّرتها الطبيعة وتحولت إلى ثقافة. وفي مفجارة، إلى الجنوب من الخليل، لا يزال يعيش هناك اليوم في كهوفٍ حوالي 1200 فلسطيني يعملون رعاة للماشية وفي الفلاحة. ومن تقرير ظهر في مجلة دير شبيغل [الألمانية]، أعرف أن البعض منهم كانوا قد هُجِّروا من بيوتهم. تحولت الكهوف إلى ملاذ كي يستمر المرء في العيش على وجه هذه الأرض التي لم تبخل عليه أبداً.
أما المجموعة التي قادتنا إلى الكهف، فهي تنتمي إلى النادي الفلسطيني للاستغوار. وفي مكان آخر على الأرض، ربما كان نادٍ مثل هذا نادياً رياضياً لا أكثر ولا أقل، إلا أنه يشمل هنا مشروعاً ثقافياً وسياسياً على حد سواء. فزيارات الكهوف تبرز جمال البلد، كونها تُشكل أساساً لأسلوب حياة وبقاء. ودخولها يجعل من التاريخ الإنساني، كتاريخ للمقاومة، واقعاً ملموساً. إنه تاريخ يتحابك بشكل وطيد جداً مع تاريخية المكان الجيولوجية الممتدة عبر آلاف السنين.
قبل ذلك بأيام قمنا بزيارة قطعة منبسطة من الأرض لا تمت إلى الكهوف بصلة. «حاكورتنا» مزرعة تقع بالقرب من مدينة طولكرم، وكان من الصعب العثور على مدخلها. إلا أن سائقنا تمكن في النهاية من العثور على طريق ترابي ضيق قادنا إلى مزرعة وقعت بين جدار وأسلاك شائكة.
وعند وصولنا قام فايز الطنيب، صاحبها، باستقبالنا في مزرعة كان قد ورثها عن والديه في سنوات الثمانينيات وحولها إلى مشروع للبقاء، على الرغم من أن الإسرائيليين قد أقاموا على اليمين منها مصنعاً كيماوياً، يشكو الكثير من المزارعين في المنطقة من تلويثه للبيئة. وعلى يسارها جدار يفصل بين المزرعة وأرض إسرائيلية، علماً بأنه تمت مصادرة أجزاء من المزرعة عند بناء الجدار. أن تعيش هنا بين جدار وأسلاك شائكة ومصنع كيماوي، بين السياسة والصناعة، وأن تقوم بإدارة مزرعة، لا شك أنه يستحق أن يسمى مشروعاً للبقاء، وأن يشكل أنموذجاً يُحتذى به.
لم يقدم فايز الطنيب وعائلته أنموذجاً يُحتذى به فحسب، بل طوروا لغة مقاومة من ألفها إلى يائها. فمشروع المزرعة جعل من فايز الطنيب مستقلاً عن البنى التحتية الكبيرة والموارد الحياتية الضرورية التي لم يعد الفلسطينيون يتحكمون بها، وهو الأمر الذي مكنه، بفضل أرض آبائه وأجداده، عن خلق مكان يمارس فيه حكماً ذاتياً، مكان يتحكم فيه بالماء والطعام والطاقة. وهو وإن أبقى على طرق الزراعة التقليدية في فلاحة أرضه، فلم يبخل عليها بالتقنيات الزراعية الحديثة.
ومن كل الموارد المتوفرة لديه، أقبل على تطوير منظومة من الممارسات العملية التي تمتد من زراعة خالية من الكيماويات، مروراً بتجفيف الشمس للمواد الغذائية وإنتاج الغاز الحيوي وبنك محلي للبذور، وصولاً إلى نظام ريّ متجدد. ومن خلال تطوير جميع خواص البيئة بدءاً من التربة، ومروراً بالماء، وصولاً إلى الطاقة الشمسية في إطار معقد يسمح بالاستقلال عن النظام الاقتصادي الكبير، تربط مزرعة الحكورة شكلاً حياتياً وتطبيقاً ميدانياً بمقاومة معاشة يومياً وتتحول من خلال ذلك إلى رمز ثقافي وسياسي في آن واحد.
كل ذلك كان حتى الآن خارج المدنية، أو على أطرافها، ولكن حتى في داخلها تتوفر أماكن تستطيع تطوير قوة شعرية، وهو ما سنح لنا معايشته من خلال مسرح الخشبة في حيفا مثالاً؛ مسرح يقع في حي وادي الصليب في حيفا السفلى، حي شهد تهجير الفلسطينيين وخروجهم من بيوتهم خلال العام 1948، وعليه يقوم مسرحيون فلسطينيون. وفي عمله، يتعرض المسرح إلى أن أماكن وفضاءات معينة حري بها أن لا تشدد على هوية متحجرة، بل إن على النقاط المرجعية هذه أن تمكن من التعددية والانفتاح أولاً. وفي ذلك المساء، حين قمنا بزيارة المسرح، كان مثليون ومثليات يناقشون، بمشاركة نشطة من الحضور، دورهم في المجتمع، في ظل فضاء مسرحي تتوفر فيه الحماية لمن يتجاسر على اجتياز الحدود التي تم ترسيمها عبر أجزاء أخرى من المجتمع.
ربما كان هذا الانفتاح سيحظى بإعجاب درويش، الذي لم يكن نضاله من أجل المكان والأرض أبداً نضالاً من أجل هوية محققة ومثبتة:

هذه الأرض هي أرضي بثقافاتها المتعددة: الكنعانية والعبرية واليونانية والرومانية والفارسية والفرعونية والعربية والعثمانية والإنجليزية والفرنسية. أريد أن أعيش كل هذه الثقافات.


«محمود درويش»

ولو لم تكن قد فرضت عليه هوية من الخارج، هكذا درويش، لأمكنه حتى بحسب جان جنيه أن يلقي بفكرة «الوطن الأم» من النافذة. ففي شاعرية المقاومة لا يتعلق الأمر بتثبيت الهويات، بل بالنضال من أجل الأمكنة والفضاءات التي توفر ملاذاً وتتيح التعددية.
فشاعرية درويش ليست شاعرية المنتصر، بل المهزوم، شاعرية تستقي قوتها وزخمها من التناقض الذي يرى أن منطق المنتصر يكمن في الدمار، في حين تنبعث من الهزيمة قوة الخلق والإبداع من جديد:

هو (اليأس) الذي يقف بقوة الخلق أمام قدرة المنتصر على التدمير. اليأس بوسعه أن يبدأ الخلق من جديد.
«محمود درويش»

إنها هذه القوة الإبداعية في القدرة المرة تلو الأخرى على البدء من جديد وتطوير تقنيات البقاء التي تحفز مشروعاً مثل مزرعة حكورتنا. إنه مشروع يستمد طاقته من خلال فرض نفسه في محيط معادٍ.
ومن حيث كونها تتحيز للضعفاء، تستطيع أشعار درويش، وهذا ينطبق، أيضاً، على شاعريته، أن تبقى حية فقط، كما «سويقة عشب تخرج من شقوق جدار، حين تمر بها الجيوش العابرة».
إن صورة سويقة العشب البارزة من شقوق جدار تشير إلى ما هو هشّ، ولكن إلى ما هو متحرك أيضاً. إنها مقاومة ليست وليدة موقف متشنج، بل رشاقة فكر. رشاقة الفكر هذه نلمسها في حديثنا مع «مجلة 28» الصادرة في غزة، حديث تم عبر تطبيق سكايب. أما الرقم 28، فيرمز إلى عدد الحروف الأبجدية العربية. وهي مجلة ترسم حدود الفضاء المحتمل الذي يمكن في إطاره أن يُعبِّر تفكير وإحساس جديد عن نفسه.
ويشكل هذا الفضاء تحدياً لا بد من منحه شكلاً معيناً في ظل ظروف قاسية، إذ تسعى المجلة إلى خلق فضاء تواصل بين جميع الفلسطينيين. ويبقى النجاح خير رفيق درب حذر، وبخاصة في ظل نسخ المجلة الإلكترونية. وفي مسعاها إلى خلق فضاء تفكير حر، تجابه المجلة رقابة تقف لها بالمرصاد. وهنا يأتي رد القائمين عليها من خلال شاعرية سويقة العشب البارزة، بحيث لا يتم إلقاء النصوص التي خضعت لمقص الرقيب في سلة المهملات، بل إعادة صياغتها. فالمجلة، كما هو الحال بالنسبة للمبادرات الأخرى على غرار حكورتنا، وأسفار، وجمعية العطاء، ومكتبة باسل الأعرج، ونبد، وجمعية تشرين، وجمعية شباب البلدة القديمة، تلعب دور المخادع الذي يخدع الطرف المقابل ويضلله.
هذا الشكل من المقاومة يمكن، أيضاً، إطلاق مفهوم اللدونة أو المطاوعة أو قابلية التشكل عليه. ويُقصد أصلاً بمفهوم اللدونة أو المطاوعة قدرة المواد الواقعة تحت تأثير قوة مسلطة عليها، وبعد أن يكون حد اللدونة قد تم تجاوزه، على تشكيل نفسها بشكل غير قابل للانعكاس، وأن تحتفظ بهذا الشكل الجديد. في غضون ذلك، تم بسط هذه الفكرة لتشمل العمليات الخاصة بالأعصاب. «فاللدونة العصبية» يُقصد بها وصف خصائص نقاط التشابك العصبي والخلايا العصبية، أو حتى مناطق دماغية بأكملها، تلك القادرة على تغيير ذاتها في إطار تركيبتها ووظائفها، وذلك وفقاً لدرجة المنفعة بغية وصول العمليات الجارية إلى الدرجة المثلى. كما تقوم استراتيجيات اللدونة على تنظيم الذات من جديد، وبشكل مستمر، وبخاصة في ظل ظروف صعبة، وفي حال حصول ضغط كبير من الخارج، لكي تحول، من خلال ذلك، دون الوقوع فريسة لسطوة أو عنف خارجي. فهي تضمن البقاء في محيط معادٍ، ليس من خلال تراجع كلي، وإنما من خلال إعادة تَشَكُّلٍ خلاق ودائم.
وإلى شاعرية المقاومة ينتمي أيضاً عدم القبول بالوضع القائم كوضع «عادي»، بل البحث عن طاقة التغيير الكامنة فيه. فبدلاً من الحالة السوية أو السيّان، يتعلق الأمر بخلخلة المنظور أو «العادي». فمن خلال النظرة المتبدلة إلى الحياة اليومية الظاهرية، تنشأ هناك قوة خيالية خلاقة، وهو ما يظهر في مشروع جمعية العطاء.
ففي هذا المشروع تكتلت النساء معاً وغايتهن -وإن يكن بعض الشيء- تغيير إيقاع واقعهن الحياتي «العادي»، من خلال انتزاع وقت خاص بهن من أزواجهن وعائلاتهن، لنقل وقت فراغ أو خلواً من العمل. هذا الوقت المكتسب أتاح لهن حيزاً خاصاً بهن يمارسن فيه بحرية التفكير والإدراك والتواصل، ويتم استغلاله من أجل تبادل الرأي والأفكار والقيام بنشاطات ثقافية. حيز أتاح لهن، وإن كان لوقت محدد، الابتعاد، ولو لفترة وجيزة، عن السياق الوظيفي الذي يطوقهن، واستبصار واقعهن بعيداً عن ضبابية حياتهن اليومية التي هي شغلهن الشاغل.
وقد شددت جميع المجموعات التي قابلناها تقريباً على أنها لا تريد أن تكون معتمدة على أموال مساعدة تأتي من الخارج. فسياسة المقاومة تتطلب بيئة خاصة بها، وذلك في صلب المفهوم اليوناني «أويكوس» [ثالوث العائلة وأملاك العائلة والبيت، الذي شكل الوحدة الأساسية للمجتمع في معظم دول – المدن اليونانية- المترجم]؛ إذ يتعلق الأمر بتدبير منزلي خاص، لا بد أن تخضع فيه الأمور المالية، أيضاً، لصالح المشروع ككل.
ويعني ذلك في حال حكورتنا أن زراعة وبيع المنتجات الزراعية عليهما أن يضمنا البقاء الاقتصادي.
وفي حال مشروع جمعية العطاء، تقوم الجماعة ككل بتقديم الدعم من خلال توفير التبرعات لنشاطات النساء. وإلى هذه الجماعة، ينتسب فلسطينيون يعيشون في ما وراء البحار.
فتطوير بيئة خاصة لا تعول على مساعدات مالية من الخارج، هو من يسمح بتحقيق نمط الإدراك الذاتي من خلال بثه في المشاريع والمخططات، لكي تبقى مستقرة. إنها محاولة للأخذ بعين الاعتبار معرفة محلية قائمة على التجربة في مقابل ادّعاء الشمولية الذي يميز منظمات الإغاثة العاملة على المستوى الكوني.
وتبقى المعرفة المحلية القائمة على التجربة، كأساس لسياسة المقاومة، قابلة دائماً وأبداً للنقل بالمعنى المزدوج. فهي تغيير للفكر من خلال تغييرٍ في التطبيق. فلا يتعلق الأمر أبداً بتفكير في الواقع فقط، بل بالتدخل، دائماً، في حقيقة الواقع الخاضع إلى حد كبير إلى تأثير الغير.
وهكذا نشأت في السنوات الأخيرة في جميع أنحاء فلسطين بيئات صغيرة للمقاومة. إنها جزر أخذ سكانها على عاتقهم العيش وعدم التبعية وفقدان حرية تقرير المصير.
لقد هدف مشروع «حياكة» إلى نسج خيوط بين هذه البيئات، وذلك من خلال قيام أهل البلد بمحاورتنا نحن الضيوف.
وفي ذلك سارت هذه البيئات مهتدية ببنية شاعرية درويش، التي تألفت من ثلاثة عناصر: البحر والتاريخ والأرض.
فالبحر مسؤول عن التبادل مع صور أخرى من العالم. والتاريخ يعبر عن نفسه من خلال حكايات البشر. وقوامها سجلات محفوظة حية تمثل ماضياً لا يمكن العثور عليه في كتب التاريخ. وفي النهاية تتحول الأرض إلى مكان للمبادلة، إلى أساس لتفكير وتعامل جديدين.

Share on facebook
Share on twitter
Share on pinterest
Share on whatsapp
Share on email
Share on linkedin

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الأخبارية؟

سجّل بريدك الإلكتروني

الرجاء تعبة النموذج لحجز مساحة في الجاليري

طلب حجز مساحة في جاليري 28

سيتم التواصل معكم لإتمام الحجز

الرجاء تعبة النموذج لطلب مشاركتك باضافة محتوى في الموقع، مع العلم انه سيتم التواصل معكم لاعلامكم بنتائج الطلب او مناقشة أي تفاصيل

طلب المشاركة بمحتوى

ملاحظة: امتدادات الملفات المقبول pdf, doc,docx