طالما حلمت، مثل الكثير من الفلسطينيين، بتقديم شيء حقيقي لوطني، أردت أن أساهم في حماية بلادي وكل ما يمت لها بصلة، لكنني كنت دائماً أشعر أنى قليلة الحيلة، ولا أملك الوسائل اللازمة.
كان كل ذلك قبل أن أرى صورة لعارضة أزياء إسرائيلية تلبس زينا الفلسطيني وتعرضه باسم دولة الاحتلال، شعور مضخم ومكرر بالمرار انتابني، وأردت مجدداً أن أساهم في التغيير، وأن أحمي بلدي من السرقة، وأن لا أقف مكتوفة الأيدي مثل كل مرة.
رفعت سماعة الهاتف واتصلت بصديقة الطفولة “مي اللي” في غزة، وتحدثت معها عن الصورة وعن كل الأشياء التي أصابتني بسببها. تحدثنا عن الخيبة والشعور بالعجز اللذين باتا رفيقين دائمين لنا كفلسطينيين بعد كل الخذلان الذي طعننا به العرب، وطعنا به أنفسنا بعد الانقسام. فجأة لمعت في ذهني فكرة: لمَ لا يكون هناك يوم للثوب الفلسطيني؟ لا، لا، يجب أن يكون يوماً للزي التراثي الفلسطيني كي يشمل النساء والرجال، نلبس فيه الحطة والعقال والقمباز والشروال والثوب والوقاية، يوم يشارك فيه كل فلسطيني، حتى نصنع لوحة صارخة في وجه سرقة الاحتلال لتراثنا، وفعلاً، عملنا أنا ومي على فتح صفحة على موقع “الفيس بوك” وبدأنا بدعوة الناس للمشاركة معنا، وبدأ الكثيرون بالاستجابة لدعوتنا ومدح الفكرة ونشر صور للزي التراثي، وأخذوا يشاركون منشوراتنا، وبدأ العدد يتضخم، وأخذت وسائل الإعلام تتواصل معنا وتسألنا عن تفاصيل الفكرة، وتنشر تقارير عن (يوم الزي التراثي الفلسطيني) الذي حددنا له يوم الخامس والعشرين من تموز من كل عام، كي يتوافق مع يوم الثقافة العربية.
كانت الفكرة تقتصر في البداية على ارتداء الزي الفلسطيني أينما كان الفلسطينيون والمؤيدون للقضية الفلسطينية، لكن العديد من الأشخاص أرادوا أن يكونوا جزءاً من الفكرة، وكانت هناك اقتراحات لعمل فعاليات، فبدأنا نفكر أكثر، وقررنا أن نقوم بتنفيذ فعالية ليوم الزيّ في كل القرى والمدن الفلسطينية.
كانت رحلتنا شاقة جداً، وتحدثنا مع العديد من الأشخاص الذين لم يلتزموا معنا بالشكل الذي توقعناه، وحصلنا في العديد من الأحيان على وعود كاذبة ساهمت في إهدار الوقت الذي كان قد بدأ بالنفاد، وخشينا أن لا ننجح، وأن لا يحضر أحد الفعاليات التي نظمناها في كل من القدس ورام الله وغزة وجنين ونابلس وبيت لحم، وكذلك عمان.
التجاوب كان عظيماً على صفحات الحدث، وكانت الأعداد بالآلاف، لكننا كنا موقنين أن التجاوب على الصفحات الإلكترونية لا يمثل أي نسب حقيقية على أرض الواقع، وحين سألني ضابط الشرطة – الذي كنت أحدثه لأخذ الإذن اللازم لتنفيذ الفعالية- عن عدد المشاركين، قلت، بعد تردد، 200 مشارك في رام الله.
جاء اليوم الموعود، وكانت قلوبنا تدق كخطوات الدبكة الهدارة، وكنا خائفين ونحن في انتظار لحظة تنفيذ الفعاليات، لأننا لم نكن أكثر من عدة شبان وشابات آمنوا بفكرة وسخروا وسائل التواصل الاجتماعي لخدمتهم، ولم ينجحوا في جذب اهتمام شركات الرعاية لتمويلهم، كان كل شيء تطوعياً، وكانت مواردنا فقيرة!
ثم جاءت لحظة الحقيقة، نزلت من السيارة بعد أن تأخرت وأنا أعد بعض الأمور المطلوبة، لم يكن عدد الحضور كبيراً جداً، ربما كانوا ستين شخصاً في رام الله، لكني فرحت به فرحاً عظيماً، لأن جمال اللوحة كان أكبر من تصوري، كانوا يرتدون الزي الفلسطيني رجالاً ونساء وأطفالاً، وساروا في شوارع رام الله وغنوا لفلسطين، وختموا مسيرتهم بالدبكة الفلسطينية.
تكررت التجربة في القدس وغزة ونابلس وجنين وبيت لحم وعمان، كنت متشوقة لرؤية الصور من كل مكان لأرى نجاح الفكرة بأم عيني، وفعلاً، نجح محمد حمدان وعزام أبو سلامة ومها السقا ومي اللي وعمر أبو شاويش ونجوى عدنان، ومجموعة رائعة من الشبان والشابات الفلسطينيين في الأردن، بتزيين هذا اليوم بالزي الفلسطيني، والقيام بفعل مقاومة صادق لكل ما يمثله الاحتلال من زيف.
نجحنا وكررنا التجربة للعام الثاني في 2016، وانضم إلينا مخيم المية ومية في لبنان ومدينة الخليل، وبالرغم من أن مواردنا كانت وما زالت قليلة، إلا أننا نؤمن بفكرتنا، ونراها تكبر وتنمو كل عام بجهدنا وحبنا لبلدنا وكل ما يمثله.
كانت أهم الدروس التي تعلمناها من عملنا في تنفيذ فعاليات (يوم الزي التراثي الفلسطيني) أننا نستطيع أن نفعل الكثير حتى لو لم يتوفر لدينا تمويل، وبالرغم من صعوبة الأمر، إلا أننا قادرون على الإنجاز وتغيير المعادلات، وخلق بيئة جديدة تحوي كمية أقل من الخذلان واليأس، وتصنع أملاً مثل ذلك الذي تحمله سنبلة في لحظة انحنائها.
- نُشِرت هذه المادة في العدد 8.0 من مجلة 28 الأدبية الثقافية.