دعاء الشوا – 14 عام
علمتُ بالصدفةِ خبر وفاةِ جارتي كرمة. لقد كانت أرملة، قالوا أنها كانت في صفوف تلبية الواجبات، وإلقاء التحيات، و و و.. لكن لا أحد لبّى نداءَ كرمة، لا أحد اكترث لجارتي كرمة.
بعد سنة، عاد صغيرُها من الغربةِ. دخلَ ولم ينتبهْ لرائحةِ الموت، اللونِ الأسود البرد، الهدوء والأغبرة. دخل ولم يلقِ التحية. ذهبَ مستعجلًا نحو غرفته، ونظر يمنةً ويسرة، وأحكمَ خلفه الإغلاق، لكن لا أحد في المنزل!
لم يلاحظ شيئًا، ارتشف من كوبِ القهوة الموضوع على الطاولة، وفتح النافذةَ، تاركًا أشعة الشمس تتسللُ لغرفةٍ لم ترى النور منذ زمن. تناول بإهمالٍ قطعةً من البسكويت الطازج، ثمَ نظر مرةً أخرى. استغرب الهدوء، ولاحظ ذلك السكون، ذلك السواد، ثم تساءل: أين تلك العجوز؟ لِم لَمْ تأتِ لتسأل عن ابنها الذي كان في المنفى وحيدًا، يُعاني الأسى والفرقة؟
اتجه مسرعًا لباب منزلي، وعلامات القلق تعلو وجهه المنهك من عناء السفر.
سألني خائفًا: أين أمي؟
قُلتْ: أوو! جارتي كرمة فارقت الحياة قبل شهر، ولم يمشِ في جنازتها سواي.. لقد تركت وصيةً كتبت فيها: أنا أرملة، أعيش وحدي، ورَجُلِيَ الصغير بعيدٌ عني، كنتُ كل ما أستيقظُ أصنع له الحليب مع البسكويت.. كان يتناوله ويخرج دون إلقاء السلام، وحينَ كَبَر صِرتُ أصنعُ له الشاي، ثم القهوة، لكنه غادر وتركني، في حرقةٍ تركني أشعرُ بالمرارةِ، وبحجة العمل، لكنّي مع ذلك، مع آخرِ زمرةٍ من روحي، أطلب منك يا جاري صُنعَ القهوةِ لعزيزي عند العودة.
- نُشِر هذا النص في العدد 13 من المجلة – انقر لقراءة العدد