في العام 2011، انضم مغنيا الراب الأساسيون في فرقة «كير غي» (Keur Gui) «ثيات» (Thiat) و«كيليفو» (Kilifeu) إلى موسيقيين وصحافيين آخرين لتشكيل حركة يانه مار (سئمنا)، لحشد الشباب ضد الرئيس السنغالي آنذاك عبد الله وادي. وأثناء حملتهم، سجلت الفرقة الأغاني التي تحولت إلى صرخة من القلب على نطاق واسع للحركة. جنباً إلى جنب مع نشطاء موسيقيين آخرين، قامت المجموعة بجولة في البلاد في شاحنة محملة بأجهزة الصوت والسماعات لتؤدي عروضها في المدن والقرى الصغيرة بهدف إيصال رسالتهم إلى فئات المجتمع كافة، بما فيها تلك في المناطق البعيدة عن العاصمة. وكان ذلك ضرورياً في بلد يزيد متوسط العمر فيه قليلا فوق 18 عاماً، ويعيش 70 في المائة منهم في المناطق الريفية. وقد اعتقل «ثيات» خلال تلك الفترة عقب احتشاد في ساحة أوبيليسك في داكار بزعم أنه نعت الرئيس بالكذاب، وقوله أن الرئيس البالغ من العمر 85 عاماً، آنذاك، كان عجوزاً وغير قادر على إدارة دفة الحكم. وكان لحركة «يانه مار» دور حاسم في هزيمة وادي، واستبداله بِـ «ماكي سال»، الرئيس الجديد للسنيغال. وبدلاً من الاحتفاظ بأمجادها والتوقف، واصلت فرقة «كير غي» نشاطها. ففي السنغال حيث كان يسعى السياسيون تاريخياً إلى إضفاء الشرعية على حكوماتهم من خلال اختيار الموسيقيين الشعبيين، عُرض على الفرقة حصة من غنائم النظام الجديد، لكنها رفضت وأصرت على أن رؤيتها لم تكن ببساطة تغيير القادة المنتخبين فحسب، إنما هدف حركتهم «يانه مار» هو الدفع باتجاه رؤية للتحول الديمقراطي، تتجاوز صندوق الاقتراع. و«ثيات» الذي تأثر بمناصري الوحدة الأفريقية مثل الأسطورة «أميلكار كابرال»، ويرتدي قبعة صوفية بسيطة تذكر بتلك الشهيرة التي كان يرتديها كابرال، ما زال يعمل على تنظيم ودعم حركات اجتماعية أخرى يقودها فنانون في دول أخرى في أفريقيا. البيان منذ الاستعمار الفرنسي حتى عبدو ضيوف، ومروراً بسنغور، شابَ نظام حكم المحسوبية والتحزب والفساد. إذ تَشكَّل النظام السياسي حول هيمنة رئيس مستبد وسط شبكة واسعة من المحسوبية السياسية القائمة على الامتيازات والريع على شتى أشكاله، مُخضعاً بذلك البرلمان والقانون لسلطته المتجبرة التي لطالما استخدمها كوسيلة للضبط الاجتماعي. ولم يحث النظام السياسي والإداري على بناء المواطنة، وإنشاء نظام مدني قادر على تعزيز وإرساء أسس المصلحة العامة والجماعية في سلوك الناس، ناهيك عن زرع الوعي في الانتماء إلى مجتمع موحد، بعيداً عن التحيزات الطائفية. إن مهمة النظام المطلوبة بسيطة: جعل المواطن محور الجمهورية، وتهيئة الظروف المناسبة لفصل السلطات على نحو فعال، وترشيد آليات إنتاج وتوزيع موارد السنغال الشحيحة، ومكافحة الفساد، وخفض مستوى مصاريف الدولة بغية الاستثمار في مختلف القطاعات مثل الزراعة، والمياه، والطاقة، إضافة إلى فرض الانضباط على جميع شرائح المجتمع؛ ابتداءً من رأس الحكومة. اليوم، نحن نعيش حالة من الفشل الذريع، فقد بلغ هذا النظام القاع، وهو قائم على شرعية متقلقلة، ويعومه الفساد والمحسوبية التي تقمع سيادة الشعب وإرادته في آن واحد لصالح مجموعة بعينها. إنه يعجز اليوم عن توفير الحد الأدنى اللازم لكفالة حياة كريمة بتوفيره الكهرباء والماء والصحة والسكن والتعليم والعمل، وما إلى ذلك إلى السنغاليين. وفي الآونة الأخيرة، تدهورت المواطنة أو ما استطعنا إليها سبيلا، ما أدى إلى تفتت علاقة الفرد بالدولة. فنحن نشهد الآن انتهاكاً يومياً ومتكرراً على نطاق واسع للأسس والقوانين والنظم. الانفلات والفردانية والفوضى تسود الفضاءَ العام، ما يعكس صورة وطن بلا هدف وبلا وجهة جماعية. أعلينا أن نفقد الأمل من مستقبل السنغال أمام كل هذه الشوائب ونستسلم؟ أندع وطننا يعكس هذه الصورة القبيحة لمدة أطول؟ أعلينا أن ندع أمهاتنا وآباءنا وإخوتنا وأخواتنا في المدن والقرى ينزلقون في هوة الفقر المهين في حين تستولي أقلية سحيقة على ثروات بلادنا؟ أعلينا أن نلتزم بيوتنا ونرثي شعبنا ونتساءل ما إذا كان الرب سيخلصنا من مأساتنا هذه يوماً؟ طبعاً لا! وأف لا! فلا وجود لأي حتمية في وضعنا هذا، فهو مجرد نتيجة للعجز والجشع. علينا، وباستطاعتنا، مكافحته وتحقيق نصرنا. هذه هي عقيدة حركة «سئمنا». هذه الحركة حركتكم! وكما علّمنا رجل حكيم ذات مرة «عندما تشتد المخاطر تزيد فرص النجاة»، إن قوة شعب متكافئ تفوق السلطة الهشة والسطحية التي تملكها نخبة سياسية فاسدة، فعلى قول المثل الإفريقي «إذا رفض المرء شيئاً عليه أن يقول لا».
ولهذا السبب نحن نقول سئمنا:
- سئمنا من حالات انقطاع الكهرباء التي تودي بحياة الرُضَّع في حاضنات المستشفيات.
- سئمنا من عجزنا عن الولوج إلى الرعاية الأولية عند المرض.
- سئمنا من الاضطرار لإبادة المحاصيل بعد أشهر من العمل الشاق في الحقول.
- سئمنا من غلاء المعيشة.
- سئمنا من تعطل المدارس والجامعات.
- سئمنا من موت الجنود السنغاليين الشباب في كاسامانس.
- سئمنا من معاناة السكان في الضواحي من تلوث المياه بسبب الفيضانات، بينما يحتل أفرادٌ بلا قيمة الممتلكات العامة على ضفة النهر بشكل غير قانوني.
- سئمنا من الإفلات من العقاب.
- سئمنا من الفساد الذي يتآكل جراءه مجتمعنا.
- سئمنا من الانتجاع الذي يثبط المعنويات والمعتقدات في السياسة.
- سئمنا من الدستور المنتهك بلا حدود، سئمنا! سئمنا!
- سئمت أيضاً من نفسي، مستسلم دائماً غير مكترث لمستقبل مجتمعي.
- سئمت من سلوكياتي غير الأخلاقية في الفضاء العام.
- سئمت من التبول في الشوارع.
- سئمت من الركوب على متن حافلة مزدحمة ورؤية الشرطة تضرب السائقين، وعدولي عن تقديم شكوى ضدهم.
- سئمت من تهاوني في الاعتراض على تردي خدمات الصرف الصحي في حارتي.
- سئمت من الانتقاد؛ الانتقاد الدائم والتقاعس عن تسجيل نفسي في قوائم الانتخابات.
علينا الكفاح من أجل اليوم، نظراً للحاجة الملحة، ولكن، أيضاً، من أجل الغد، بغية تحقيق «مستقبل بإمكاننا وعلينا بناؤه». نعم، باستطاعتنا فعل ذلك. فمن الضروري أخذ الخطوات من أجل إرساء أسس مجتمع جديد؛ أسس جمهورية تُعنى بالشعب، وعلينا، أيضاً، وبالأخص إرساء الأسس اللازمة لإظهار مواطن سنغالي جديد. ويقتصر التغيير الكبير هذا على ظهور، أو بالأحرى على ولادة مواطنين جدد ينادون بالقيم الجمهورية، ويروّجون للسلوك الأخلاقي تجاه الدولة وتجاه المجتمع على حد سواء. وعن طريق صياغة مطالب قهرية يقدمونها للدولة وللجهات الفاعلة السياسية والاجتماعية، سيتمكن المواطنون الجدد من إظهار مواطن سنغالي جديد مسؤول ومندمج يشيد بمشروع التحول الاجتماعي، سعياً إلى بناء مجتمع يتحلى بالعدل والإنصاف والقانون والسلم للجميع. مجتمع يعمل وينتج ويوزع الثروات والفرص بإنصاف على البنات والبنين دون تفرقة. هذه هي سنغال الغد التي نحلم بها. ولتحقيقها، علينا أن نهمّ الآن. فلنقف ولنبادر. لنسجل أنفسنا في قوائم الانتخابات ولنسترجع سيادتنا. فالسنغال تستحق ذلك. والمواطن السنغالي هو نحن. و«ها قد بدأ الغد». في العام 2014، أصدرت المجموعة ألبوماً لاحقاً يضم أغنية بلغة الوولوف بعنوان «ديوغوفي» (لم يتغير شيء). لم يتغير شيء من أداء «كير غي» (من مؤسسي يانه مار/ سئمنا).
الوعود الانتخابية ذاتها بيع أراضينا لم يتغير البلاد تعمها الفوضى العارمة مضى عامان فقط، لكننا سئمنا بالفعل. حكومة دُفعت إلى السلطة بالصدفة تفشل في أداء واجباتها نظام كسول لا رؤية فوضى دائمة لا حلول ارحل!
يتمسك القادة بالسلطة على الرغم من معارضة الشعب. السياسيون متشابهون، لا فرق. فقط وعود منكوثة وكذب. لقد سئمنا من هرائكم، إننا حتما بحاجة إلى التغيير.