حوار مع الفنانة صابرين سعيداني – تونس
“كل اللهجات تتشابه بالصمت، وها أنت تسكت من الحزن وكأنك تجيدها كلها”. بالنسبة لصابرين سعيداني فإن الصمت الذي تحدث عنه الشاعر العراقي ميثم راضي عندما كتب هذا قد يكون أيضاً موسيقى وغناء وصوتاً جميلاً يغني، فيجذبك له ويريح قلبك رغم أنك قد لا تفهم تماماً ماذا تعني الكلمات بحكم اختلاف اللغة.
تتحدث صابرين وكأنها تغني، فصوتها المليء بالطاقة والحب يبدو في حالة غناء دائمة حتى وهي تحدثك عن يومياتها كطالبة جامعية تدرس طب الأسنان، ربما ستغني صابرين للمرضى بينما تعالج أسنانهم لتخفف التوتر الذي يعاني منه كل من يزور طبيب الأسنان.
- كيف بدأ الحلم يا صابرين؟ وإلى أين سيصل؟
“كان هذا الحلم كابوساً بالنسبة لأهلي وأنا صغيرة”، وتضيف ضاحكة: “لطالما اخترت الغناء بينما تأخذ أمي قيلولتها، وكنت ألقى جزاء ذلك الكثير. لم يكن صوتي كطفلة هو المشكلة، بل كوني طفلة مزعجة ومشاكسة. الغناء جزء مني لا أعرف متى بدأ وكيف سينتهي، ولكن أهلي وأصدقائي يستمتعون عندما أغني، وهكذا عرفت أن صوتي جميل، وهذا ما يهمني، أي أن أمنح من حولي فكرة ما أو شعوراً معيناً أو حالة من الراحة أو الفرح.
- أنت تعيدين غناء أغانٍ معروفة لفيروز وماجدة الرومي، ولكن ماذا تضيفين للأغنية؟
لا أعرف ماذا أضيف للأغنية، ربما الإضافة للأغاني أصعب من أن نصفها ونكتبها، أو ربما من يستمعون للغناء يعرفون إذا كان هناك إضافة أو لا أكثر من الشخص الذي يغني. أنا أغني الأغنية وأضيف إليها إحساسي وتجربتي الخاصة التي قد تتقاطع مع الأغنية، والجزء الأهم من كل هذا هو أن يصل هذا التقاطع للناس، أعتقد أنني عندها أكون قد أضفت شيئاً جديداً لأغنية معروفة قد يغنيها الكثيرون، وهذا ما قد يجعل أحدهم يختار أن يستمع لنسخة من أغنية فيروز بصوت مغنٍ دون آخر، ولكنه على الأغلب ربما سيختار أن يستمع للأغنية بصوت صاحبتها الأولى، ربما، لا أعرف، فليس هناك قاعدة عندما يتعلق الأمر بالذوق.
- من الفنانون الذين تخافين أن تغني أغانيهم؟
كنت أفعل العكس، بمعنى كنت أغني فقط لفنانين محددين، ليس لأنني أخاف الغناء لأحد جديد، بل لأنني أرتاح عندما أغني لفيروز وماجدة وأسمهان، ولكنني شعرت أن هذه الراحة تحولت إلى سجن أضع نفسي فيه وأخاف أن أخرج منه وأتحدى نفسي، عندها قررت أن أركز على الكلمات والموسيقى وليس لمن أغني، وتوقفت عن القلق حول إذا كان صوتي قد يملأ مكان صوت الفنان الذي أغني له أم لا.
- هل هناك أغانٍ خاصة بصابرين؟
ليس لي أغانٍ خاصة حتى الآن، إلا أن هناك مشاريع أنتظر أن تتحقق بعد أن أنهي دراستي الجامعية، ولكن هناك تسجيلات صوتية خاصة بي، مثل تسجيل “ما بنلتقي إلا بضياع”، سجلته مع الكاتب السوري أحمد قطليش، وفي تعاون آخر مع أحمد قمت بترجمة أغانٍ فرنسية إلى العربية، مثل (belle Notre-Dame de Paris)، حيث كانت فكرة أحمد أن يلقي هو نص الأغنية بالعربية بينما أغني أنا مقاطع منها بالفرنسية. الفكرة أن الغناء عالم واسع لا يقتصر فقط على الشكل المعتاد للأغاني التي يقدمها لنا التلفاز أو المذياع، بل هو مجموعة من الخيارات الواسعة للإبداع التي يمكن لكل شخص أن يراها من زاويته، ويحولها إلى عمل فني بصيغة جديدة.
- كيف يساعدنا الغناء على تجاوز الأزمات النفسية التي نعيشها بسبب الحروب؟
الغناء هو التنهيدة التي نرتاح بها من الحرب، التنهيدة التي تساعدنا على أن نستمر رغم كل شيء. إن أسوأ ما تفعله الحروب بنا هو أنها تصيبنا بالعجز، العجز حتى عن الكلام أحياناً، وهنا يأتي الغناء ليقول لنا الأشياء التي لا نعرف كيف نقولها.
- ما هو دور وسائل التواصل الاجتماعي؟
“بكبسة زر” عرفني الكثيرون، أنا محظوظة جداً لأنني قادرة على مشاركة صوتي وإحساسي مع أناس من مختلف الدول والثقافات. وسائل التواصل الاجتماعي منحتني هدايا كثيرة أهمها حب الناس وتشجيعهم، ومنحتني أيضاً مفاجآت كثيرة، فقد تعرفت على فنانين وموسيقيين ساعدوني كثيراً على تطوير أدائي، ومنهم من قدم لي دروساً موسيقية وبروفات وتمارين صوتية.
- كيف تتعاملين مع النقد؟
تصلني رسائل جميلة ورسائل جارحة. بالبداية كنت أنزعج جداً من النقد، أو بالأحرى ليس من النقد بل من التجريح والإهانة، ولكنني بدأت بالتعامل مع الأشياء بطريقة مختلفة، فمثلاً، حتى لو كانت صياغة الرسالة جارحة، فإنني، وبدلاً من التركيز على ما جرحني، أركز على ما تتحدث عنه، فأحياناً ورغم أن أسلوب الحديث يكون خاطئاً، إلا أنه قد يحمل فكرة صحيحة أو على الأقل فكرة جديرة بالانتباه والمراجعة. على سبيل المثال، هناك رسائل تنتقد مخارج الحروف لدي وطريقة نطقي لها، عندما ركزت أكثر على الموضوع عرفت أن هذا صحيح، وهذا ربما يعود إلى البيئة التي نشأت فيها، وهي بيئة مختلطة اللغات واللهجات بين العربية والأمازيغية، إضافة طبعاً إلى خصوصية اللهجة التونسية.
- هل تحلمين بالمشاركة ببرامج المواهب العربية؟
الإجابة مرتبطة بـ “لماذا أغني؟” أنا أغني لأكون سعيدة، أغني لأبني لي بيتاً أكون آمنة فيه وأدعو إليه من أحب عندما يحتاجون ذلك، فهل تحقق لي هذه البرامج ذلك؟ لا أعتقد، لأنني لا أتخيل أن يكون غنائي مرتبطاً بنسبة التصويت. لكل منا طريقته في الوصول إلى هدفه، ولكنني لا أعتقد أن أجواء المنافسة والربح والخسارة هي طريقتي للوصول إلى هدفي.
- وهو؟
أن يظل الغناء تنهيدتنا في هذه الحرب.
- نُشِرت هذه المادة في العدد 8.0 من مجلة 28 الأدبية الثقافية.