أعتبرُ مشاركتي في العمل التضامني في العديد من المجتمعات المتقاطعة امتدادًا طبيعيًا لهويتي. بالنسبة لشخصٍ مثلي عُومل بعنصرية، تأثرت كثيرًا بكيفية ممارسة العنصرية في ما تُسمى الآن أستراليا. أولًا وقبل كل شيء، بصفتي امرأة أبورجينية جُرِّدَتْ من أراضيها عن طريق انتشار العنصرية. ثانيًّا، بصفتي امرأة ماليزية-صينية تمكّنت والدتها من المرور عبر الحدود الأسترالية الّتي أوجِدَتْ في أواخر ستينيات القرن الماضي. وعليهِ، يُنظر إليّ على أنّني تهديد لأستراليا البيضاء. ثالثًا، بصفتي امرأة غيرت ديانتها إلى الإسلام، وهو ما يُعرِّضني تلقائيًّا للعنصرية المفروضة على الأجانب الّذين يُحاولون «الاستيلاء» على «طريقة عيش» الأسترالي الأبيض، وذلك على الرغم من ارتباطي بالأرض الّذي يمتد لآلاف الأجيال. إنّ فهمي لكيفية ممارسة العنصرية داخل أستراليا، والّتي تهدف إلى الحفاظ على أمة بيضاء من خلال نزع الملكية وفرض الحدود العنصرية، أمرًا أساسيًّا لكيفية تركيز عملي على النشاط المناهض للعنصرية. كما أدى إلى نزعة طبيعية تجاه الجمع بين مختلف مجتمعات الشتات المُعرّضة للمعاملة العنصرية، للعمل معًا في حالة من التضامن مع الشعوب الأولى. يُمكن قراءة هذا المقال بوصفه انعكاسًا للعقدِ الأخير من الانخراط في العمل التضامني.
أود أن أبدأ بالتأمل في العمل التضامني لمشروع رايز للاجئين Survivors and Ex-Detainees or RISE. نظرًا لتنامي أهمية التضامن في كيفية عمل النشطاء ضد العنصرية في أستراليا، فقد حافظت منظمة رايز على موقف داخلي مركّزي لا هوادة فيه، يُجسده شعارهم «لا غنى عنا فيما يخصنا». أدى عدم انخراط رايز في الحكومة في كثير من الأحيان، فضلًا عن رفضهم للسياسة الشعبية لوسائل التواصل الاجتماعي، إلى جعلها غير معروفة ظلمًا، رغم أنّ عملهم في التضامن كان من أكثر الأعمال المحورية والأساسية للعمل التضامني اليوم وبعد عشر سنوات. وبوصفها تجمعًا للّاجئين وطالبي اللُّجوء والمحتجزين السابقين بحثًا عن الأمان في أراضي الأبورجيين الّذين لم يتنازلوا عن أرضهم وسكان جزر مضيق توريس، فقد حملت رايز المسؤولية على عاتقها، وتواصلت مع الشعوب الأولى للعمل بنشاط في تضامن معهم. وأظهرت رايز منذ عام 2009 على الأقل، فهمًا للقضايا المتعلقة بكيفية تفاعل مفاهيم السيادة والحدود مع بعضها البعض، ثم أوضحت كيف تُظهر هذه التفاعلات السياسة والمجتمع الأسترالي. شرحت رايز بشكلٍ حاسم أنّ السياسات والممارسات العنصرية المتعلقة بالشرطة والاحتجاز تسعى لوضع الشعوب الأولى ومُلتمسي اللّجوء، في السجون ومراكز الاحتجاز بمُعدّلات عالية، وبشكلٍ مقلق.
ولا شك أنّ يد التضامن الممتدة هذه قد ردّت الجميل. كفرد، أعمل مع رايز بانتظام لتحقيق تطلعاتهم الذاتية. عملتُ مع عددٍ من المنظمات الأهلية مثل تحرير الأمم الأولى First Nations Liberation ومحاربي المقاومة الأبورجينية Warriors of the Aboriginal Resistance، وعملتُ أيضًا مع رايز، ولسنوات من بناء التضامن البطيء والمُتَّئِد والّذي بلغ ذروته مؤخّرًا في الأحداث الرئيسية في الجدول الزمني للعمل التضامني. الأهم من ذلك، كان اجتماع المؤسسات السابقة في حزيران/ يونيو من عام 2016 معًا، لتنظيم حدث «الطمأنينة والملاذ»، الذي قدّم فيه الناشط الأبورجيني العم روبي ثورب Robbie Thorpe جوازات سفر أبورجينية للّاجئين وطالبي اللُّجوء والمحتجزين السابقين.
قال المحتجز السابق ومؤسس رايز راميش فرنانديز Ramesh Fernandez عن هذا الفعل: «تعترف رايز في هذا اليوم ونيابة عن مجتمع اللاجئين بسيادة السكان الأبورجيين على هذه الأمة، ووقوفها متضامنةً مع الأمم الأولى المُستلبة في هذا البلد. نلتزم بالقتال من أجل العدالة وفقًا للشروط الّتي وضعها الأبورجيون ولا سواهم». ليرد عليهِ ميركي أونوس Meriki Onus من منظمة محاربي المقاومة الأبورجينية بالمثل: «يرحب محاربو المقاومة الأبورجينية بهذا الحدث التاريخي مع منظمة رايز ومنظمة تحرير الأمم الأولى. إنّ التزام رايز بقبول جوازات سفر الأبورجيين وقانون الأبورجيين والقانون العرفي ينعش ويمهد الطريق لجميع الوافدين الجدد إلى هذا البلد»[1]. لا يُعد إصدار جوازات السفر بالطبع أمرًا جديدًا أو استثنائيًّا بالنسبة لـ RISE وWAR وFNL. شارك كل من العم روبي ثورب والعم الراحل راي جاكسون في إصدار جوازات السفر منذ عام 2012 على الأقل، وقدم الناشط الأبورجيني مايكل مانسيل Michael Mansell جواز السفر الأبورجيني لأول مرة في عام 1988، عندما أُصدِرَت لوفدٍ أبورجيني كان مسافرًا إلى ليبيا[2]. يُنظر إلى إصدار جوازات سفر أبورجينية للّاجئين وطالبي اللُّجوء، أنّه عمل تضامني، وإجراء مهم ذي بُعد رمزي وعملي في آن.
لقد نجحت رايز في بناء التضامن بعناية من خلال العمل الجاد والتفكير العميق المتعلق بمختلف قضايا العنصرية والسيادة والحدود. يجب الانتباه إلى أنّ التضامن من قِبَلِ مجتمعات الشتات تجاه الشعوب الأولى لم يكن دائمًا قويًّا، كما يتّضح من خلال عمل رايز. أعلمُ تمامًا بوصفي امرأة أبورجينية صينية مسلمة، بأنّ التضامن بين المهاجرين إلى أستراليا (على وجه التحديد المهاجرين غير الأوروبيين وغير البيض) والشعوب الأولى، لم يكن دائمًا قويًّا كما هو عليه اليوم. على سبيل المثال، كتبتُ في عام 2009 عن تجمّع حضرته في مدينة أديليد في وقتٍ قريب من الحرب على غزّة:
«ترجل سياسي ليتحدّث إلى الحشد البالغ عدده حوالي 1800 شخصًا. بدأ بالإقرار بأنّ الاحتشاد يجري على أرض كاورنا Kaurna(الشعب الأبورجيني القاطن في الأرض عرفيًّا)، وأنّ المكان مناسب للغاية للحديث عن الغزو غير الشرعي والاحتلال والسلب، على أرض أبورجينية، خصوصًا أنّ السكان الأصليين في أستراليا يعرفون تمامًا ما يعنيه الغزو والاحتلال والسلب. لسوء الحظ، لم يكن التصفيق لما قاله السياسي حارًا كما يتوقع المرء. بدا غالبية المسلمين والعرب في الحشد مرتبكين بشأن السبب الّذي دفع هذا السياسي إلى التحدث عن مسألة حقوق أراضي الأبورجيين. عندما جُلت بنظري في القاعة، لاحظتُ أنّ هناك عدد من الأبورجيين غير المسلمين بين الحضور، وافترضتْ وقتها بأنّهم متضامنون مع العدالة. أثارت رؤية أولئك الأبورجيين أمرًا في داخلي، وتركتني أتساءل ما إذا كان هذا التضامن عَرَضًا للعلاقة بين المُجتمعين»[3].
لحسن الحظ، لم أكن الوحيدة الّتي بدأتْ بالتساؤل حول اللّامبالاة والعنصرية الموجودة في مجتمعات الشتات الإسلامية في أستراليا في ذلك الوقت. بعد عام واحد فقط بدأت العمل مع عامر رحمن (ذي الخبرة الطويلة في قضايا العنصرية ضد السود)، بشأن العنصرية ضد السود داخل المجتمع الأسترالي المسلم. وبحكم خبرته ومشاركته في عدد من الإجراءات المباشرة بشأن قضايا احتجاز اللّاجئين والحرب على الإرهاب وفلسطين، فهم رحمن أنّ العنصرية الّتي تؤثر على الشعوب الأولى ومجتمعات الشتات غير الأوروبية وغير البيضاء، مرتبطة ببعضها البعض، وتصلح كموقعٍ للعمل التضامني.
كانت أستراليا في تلك الفترة قد خرجت لتوها من قرابة عقدٍ من النزعة المحافظة المتشددة بقيادة رئيس الوزراء آنذاك جون هوارد John Howard. شهدت تلك الحقبة صعود السياسات المعادية للآسيويين والمعادية للأبورجيين وحرب ما بعد الحادي عشر من أيلول 9/11 على الإرهاب، وغزو العراق، وبروز المشاعر المعادية للمسلمين في وسائل الإعلام، وهجمات هوارد المتكررة على الأبورجيين التي توّجت بالأبوية الجديدة neo-paternalistic والاستيلاء على الأراضي، ضمن تدخل الإقليم الشمالي[4].
في ظل هذه الخلفية للسياسة العالمية والمحلية، وبوصفه مسلمًا غير أسود من جنوب آسيا، فإنّ تضامن رحمن مع الشعوب الأولى لم ينطوِ على دعم الشعوب الأولى في نضالنا فقط، بل في تحدي مظاهر معاداة السود داخل المجتمع المسلم أيضًا. تضمّنت بعض الأعمال التضامنية المبكرة لرحمن. الجمع بين المسلمين غير السود والمسلمين السود والشعوب الأولى (مسلمين وغير مسلمين)، لمناقشة قضايا العرق والعنصرية. وعُقدت في عام 2010 حلقة نقاش حول «العرق والهوية في المجتمع المسلم»، حيث تحدثتُ إلى جانب مُفكرين بارزين في الشتات الإسلامي العالمي. نظّمَ رحمن بشكلٍ أساسي في وقت لاحق من العام نفسه «مؤتمر تضامن المسلمين الأبورجيين»، لمعالجة قضايا اللّامبالاة والجهل في المجتمع المسلم الأسترالي. وكما ورد في النشرة الإعلانية الخاصة بالمؤتمر: «هذا مؤتمر من يوم واحد وخاص بالمسلمين، لتعريفهم بقضايا العدالة الاجتماعية الّتي تؤثر على مجتمع الأبورجيين، وسكان جزر مضيق توريس في أستراليا، بما يشمل الحقوق المتعلقة بالأراضي وتدخل الإقليم الشمالي»[5].
كان العمل التضامني المتواصل لرحمن داخل المجتمع المسلم فعالًا في تغيير مواقف ومعتقدات مجتمعات الشتات المسلم في أستراليا. شعرتُ في السنوات الّتي أعقبت أعمال التضامن هذه مباشرة، بتحولٍ كبير في فهم المجتمع المسلم الأسترالي لعلاقة أستراليا القمعية والعنيفة مع الشعوب الأولى. وصُدّرت في الوقت نفسه السياسة العرقية الأمريكية بشكلٍ متزايد إلى بقية العالم عن طريق الإنترنت، من خلال المدونات والنشر الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي. إنّ عمل رحمن المُبكِّر على مكافحة العنصرية في المجتمع الإسلامي، إلى جانب هذه الظاهرة العالمية، أثّر على الطريقة الّتي تعاملت بها مجتمعات الشتات الأسترالية المسلمة مع الشعوب الأولى، وسهّلت التضامن بين المجموعتين. من الشائع الآن رؤية كُتل إسلامية تُشارك في مسيرات من أجل العدالة للشعوب الأولى، وقد بدأت المنظمات الإسلامية في تثقيف مجتمعاتها بشأن القضايا المتعلقة بالشعوب الأولى.
ثمة تداخل كبير بالطبع بين الجالية الفلسطينية والجالية المسلمة في أستراليا. لقد تغيّر الكثير فيما يتعلق بالتضامن، منذ التجمع الّذي حضرته من أجل غزة في عام 2009. لقد عقد الفلسطينيون المقيمون في أستراليا، وكذا الشعوب الأولى، مؤتمراتَ تضامن وجلسات نقاش وبيانات مكتوبة مشتركة، وغيرها من الفعاليات. وفيما يتعلق بالتضامن العابر للحدود، فأنا أرى الآن العديد من الفلسطينيين يعيدون تأكيد الروابط القديمة بين الوعي العالمي عند السود والنضال الفلسطيني. هناك تجاوب وتضامن مع الشعوب الأولى، حيث تعترف كلتا المجموعتين بتعرُّضهما للقمع الموازي تحت الاحتلال الاستعماري الاستيطاني. والأهم من ذلك كله أنّ هذا التجاوب والتضامن يجري من خلال إدراكٍ متزايد بأنّ الانتماء إلى الشعوب الأصلية والسود، موجود معًا في الشعوب الأولى لما بات يسمى أستراليا.
وهنا تمامًا تكمن الآثار الإيجابية للتضامن العابر للحدود في العلاقة بين الشعوب الأولى ومجتمعات الشتات. غالبًا ما يصعب على السكان غير الأبورجيين فهم الفروق الدقيقة المتعلقة بكيفية تفعيل العرق في أستراليا، ولأيِّ غرض. تُهيمن السياسة العرقية الأمريكية حاليًّا على الخطاب الأسترالي، والّذي يُنقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت. ودون فهم دقيق للسياقات المحلية، يُصبح التضامن العابر للحدود واهنًا. يشتمل هذا الفهم الدقيق في حالة أستراليا، الطريقة الّتي يعمل بها العرق لنزع ملكية الشعوب الأولى، لأنّهم ذوي بشرة داكنة أولًا، ثم تأتي بعد ذلك عنصرية معادية للمسلمين واللّاجئين والعرب، من أجل إبقاء الحدود مغلقة أمام المهاجرين غير البيض.
وفي هذا السياق، يأتي دور مجتمعات الشتات، مثل مجتمعات الشتات الفلسطيني، لتساهم بشكلٍ فعّال في النضالات العالمية ضدّ الظلم. وكما شهدنا في العمل التضامني لراميش فرنانديز ورايز وعامر رحمن، فإنّ التفكير المُتعمِّق في قضايا العرق والعنصرية مهم لمجتمعات الشتات، وليفهموا النضالات المحلية، وكيف يُغذِّون هذه التفاهمات لدى مجتمعات الشتات العالمي، بما يأتي بآثارٍ إيجابية على التضامن العابر للحدود.
[1] “Sovereignty + Sanctuary: A First Nations/ Refugee Solidarity Event,” RISE, 13/7/2016, accessed on 21/2/2021, at: https://bit.ly/3pqAKTs
[2] “More than 200 Migrants to Receive Aboriginal Passports,” Green Left, 6/8/2012, accessed on 21/2/2021, at: https://bit.ly/2N3tdwL
[3] Eugenia Flynn, “The Hard Questions,” Eugenia Flynn, 2/2/2010, accessed on 1/5/2021, at: https://bit.ly/3b7wsLs
[4] كان تدخل الإقليم الشمالي أو «الاستجابة الوطنية لحالات الطوارئ في الإقليم الشمالي»، والمعروفة أيضًا باسم «التدخل» عبارة عن مجموعة من التدابير الّتي فرضتها التشريعات الّتي تؤثر على السكان الأصليين الأستراليين في الإقليم الشمالي من أستراليا. وشملت التدابير قيودًا على استهلاك الكحول والمواد الإباحية (بما في ذلك الحظر الكامل على كليهما في بعض المجتمعات)، وتغييرات في مدفوعات الرعاية الاجتماعية، وتغييرات في تقديم وإدارة خدمات التعليم والتوظيف والصحة في الإقليم.
[5] “Indigenous Muslim Solidarity Conference,” Whenua Fenua Enua Vanua, 11/11/2010, accessed on 21/2/2021, at: https://bit.ly/3jVsDx5