أحقيّة الشعوب الأبورجينية وإنهاء الاستعمار

أنتمي لشعوب التانكينكالد Tanganekald والميِّنتاك Meintangk والبونكانديج [1]Bunganditj، المُنتشرين في مدينة كورونك Coorong وجنوب شرق ولاية جنوب أستراليا. لم يكن الاعتراف بانتمائي دائمًا سهلًا، لأنّ العالم من حولي ومنذ طفولتي طبّع انتمائي من خلال سلسلة من التصنيفات، أي أنّ نظام التعليم في جنوب أستراليا أشار إلى والدتي على أنّها نصف نقية [2]Half-caste وفي المدرسة كان لقبي كاسي نصف النقية Half-caste Casey. كان هذا في ستينيات القرن العشرين.

عندما كنتُ طفلة صغيرة جدًا تنظرُ إلى لون يديها، سألت أمي: من نحن؟، فأجابتني: «أنتِ ما أنتِ عليهِ، وتنتمين إلى التانكالون Tangalun، أي إلى المكان في نهاية أراضي شعب التانكين Tangan وبداية حدود شعب الميِّنتاك Meintangk». ولدت جدة أمي قبل قدوم الدولة الاستعمارية واحتلالها لأراضينا، وهذه هي القصص الّتي حُفِظَتْ خلال حروب الحدود الاستعمارية العنيفة.

عندما كنتُ أنظر إلى الخريطة في طفولتي، لم أكن قادرة على إيجاد أيّ من الأسماء الّتي سمعتها من عائلتي، بل وجدتُ أسماءً من قبيل كينكستون Kingston والمسماة تيمُّنًا برئيس وزراء جنوب أستراليا، أو روب Robe تيمُّنًا بحاكم جنوب أستراليا، أو جبل كامبير Gambier تيمُّنًا بأميرال البحرية الملكية كامبير. هيمنت هذه الأسماء على الخريطة، وكان الأمر بالنسبة لي تعلُّم الخريطة الاستعمارية في عُمرٍ مُبكر. وعندما أنظرُ إلى خريطة أستراليا اليوم كما هي عند الأبورجين، أرى الأسماء القديمة هامشيّة كذلك أو غير موجودة أصلًا. في عام 1840، نُسِبَ مقتل عدد من المستوطنين البيض إلى الميلمنجري Milmendjeri من شعب التانكينكالد، فردّ الجيش البريطاني وقتها بقتل أسلافنا انتقامًا، وبينما اندثرت هويّتنا آنذاك، بقي القليل من السجلات لما حدث لشعب الميلمنجري/ التانكينكالد.

حتّى سندات ملكية السكان الأصليين – التي عاملت كبار السن من أسلافنا على أنهم السلف الأول لمجموعة أصحاب السندات – أسمت أراضينا باسم آخر. لكنّ الحقيقة هي أنني أنتمي لشعوب التانكينكالد والميِّنتاك والبونكانديج. لقد انتميتُ لها قبلًا، وسأنتمي لها بعدًا، وهي الحقيقة الّتي ستدوم. لذلك حصل ويحصل عبر التاريخ الاستعماري لهذه القارة الّتي نسميها الآن أستراليا، تطبيع للهويات الاستعمارية. وبالنسبة لشعوب الأمم الأولى، يكون النضال من أجل التمسك بالهويات القديمة الّتي ننتمي إليها ونتذكرها.

ما الّذي يهم؟ إنّه أمر بالغ الأهمية، لأنّ التسميات الاستعمارية لأراضينا وهوياتنا كانت ولا تزال جزءًا من سيرورة تطبيع الاستعمار وفرض القوة الاستعمارية. في التاريخ الاستعماري الحديث، سُميّت إحدى الطرق السريعة الرئيسية الّتي تعبر أراضينا الأصلية باسم طريق الأمراء السريع تيمُّنًا بإدوارد الثامن (الملك البريطاني الّذي تنازل عن العرش في عام 1936). هل تهمُّ أسئلة الأحقية هنا؟ مثل، سُميَّ تيمُّنًا بمَنْ ومتى؟ أعتقد أنّه يهم، لأنّ الأحقيّة هي الأمر الوحيد القادر على تعضيد السُلطة أو مقاومتها. يمكن لأحقية السكان الأصليين بالأرض أن تواجه السلطة المُستغلّة لفرض وشرعنة وتطبيع الاحتلال غير القانوني. إنني أعترف بأحقية شعوب الأمم الأولى في القارة الّتي نسميها الآن أستراليا.

من وجهة نظر القانون: أيّ قانون؟

درستُ القانون في أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن العشرين، لأستوعب المنطق الاستعماري ولغته وأدواته الّتي استُخدِمَت لـ «تطبيع» الاحتلال غير القانوني لأراضي الشعوب الأولى. كان الأساس الاستعماري في هذه القارة قائمًا على الفكرة المُتخيَّلة بأنّها أرض مُباحة [3]terra nullius، كما يجب أن نعلم جميعًا، وهو ما يعني أنّه لم يكن ثمةَ سكان إلى أن جاء البريطانيون، ويبقى تاريخ «أستراليا» مبنيًا على أساس هذا التخيُّل، بصرف النظر عن قرار المحكمة العليا بحق السكّان الأصليين[4].

يتمسك المنطق الاستعماري بالصلاحية القانونية لمفهوم الأرض المباحة، في حين أنّ مركز ثقل الشعوب الأصلية وأحقيتها يستمدان من قوانيننا وثقافاتنا ولغتنا وعلاقاتنا بالعالم الطبيعي. من هنا تنبع أحقيّتنا. لا يزال الاحتلال الاستعماري يفشل في الإجابة عن سؤالنا منذ أكثر من قرنين من الزمان: بأيّ حقٍ قانونيّ تحتل أراضينا؟

يكشف التاريخ القانوني الأسترالي عن احتلال حصل بالقوة. إنّ الاحتلال بالقوة غير قانوني بموجب القانون الدولي. لكن على المُستوى العملي، يصعب على الدول الواقعة تحت الاحتلال الاستعماري الوصول إلى آليات القانون الدولي وإيجاد تدبير قانوني لعدم شرعيتها. تتجاهل الحكومة الأسترالية التدابير الواردة في القانون الدولي والّتي يُمكن الوصول إليها، كما رأينا في موقفها من بعض القرارات الأخيرة الّتي اتخذتها لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري[5]. تتمتع قوانين الأبورجيين بسلطة قديمة لا تزال قائمة، لكن القوة العسكرية للدولة الّتي نصّبت لنفسها شرعية، تعارض قوانيننا وتقضي عليها وتتجاهلها.

الحلول وسُبل الإنصاف

أين هي سُبل الإنصاف والسلام المستقبلي الّذي يُمكِّننا لنكون نحن؛ لنُعرِّفَ بأنفسنا ونقول من نحن؟ لنعيش في رفاهية أكبر من الّتي يوفرها الاحتلال من طعام ومأوى وأمن مائي؟ إنّ فضاء سلطة الدولة الاستعمارية الاستيطانية يُعرّفنا ويتحكم بهويتنا، ويُحدد من نحن، وما إذا كنا سنعيش، وشكل تلك المعيشة. نعيش حياتنا في فضاءٍ من الإيماءات الرمزية التذكيرية الّتي تُعرفنا، بينما تُحدد الدولة دائمًا السيرورات والنتائج.

وضعت الأمم المتحدة إعلان حقوق الشعوب الأصلية UNDRIP، وفيها حددت الحد الأدنى من المعايير لمنع الإبادة الجماعية للشعوب الأصلية، والّتي كانت مستمرة على الصعيد العالمي، وهي معايير يمكن أن تكون شعاراتية فقط في سياق المادة 46 من الإعلان. تسمح المادة 46 للدول الاستعمارية تحديد كيفية أو ما إذا كان يمكن التعامل مع مطالب السكان الأصليين. يُحدد الإعلان معايير لمشاركة السكان الأصليين، لكنّها معايير تقع فقط ضمن حدود سلطة الدولة في تحديد المصالح الّتي سوف يُجرى تغليبها.

تُقدم قوانيننا القديمة تدابير وحلول لتحسين الحياة وتطويرها؛ أي المأوى والغذاء والأمن المائي، وذلك لجميع الناس بوصفها معايير دُنيا للمعيشة. أما قوانين الدولة الاستعمارية الاستيطانية الأسترالية، فتنتهك يوميًّا قوانين الأبورجيين نفسها، والّتي ضمنت بقاءهم في الأرض لآلاف السنين. تفرض الدولة مثلًا قوانين تدعم اقتلاع الأشجار، والإفراط في تخصيص المياه للزراعة المروية، وتدمير ممراتنا المائية، والاستخراج والتعدين والتخلص من النفايات السامة والخطيرة في المناطق الريفية. وفيما لو كنّا الحل الوحيد، فكيف سنضمن الاحتفاظ بمركز ثقل أبورجيني تحت ضغط وإكراه السلطة الاستعمارية؟

يتطلب التفكير في الحلول وسُبل الإنصاف، تفريغَ تفكيرنا من موضوع «الاعتراف» وكيف أنّ برامج «الاعتراف» التي رأيناها تجيء وتروح، ليست إلّا محض ترجمات للبراديغم النيوليبرالي. وانطلاقًا من هذا البراديغم، ما احتمالات تجاوز منطق السلطة الاستعمارية، خاصةً عندما تحدد السلطة الاستعمارية وتُعرّف هذا «الاعتراف».

إنهاء الاستعمار

تتمثّل المعضلة التالية لسلطة الاستعمار في معضلة إنهاء الاستعمار. كيف يُمكن أن يحدث إنهاء الاستعمار؟ كيف يُمكننا أن نبدأ بإنهاء الاستعمار؟ وكيف نتجاوز خلال هذا الطريق خطر الانزلاق إلى أُطُر الاعتراف النيوليبرالية؟ يكتب ناتسو سايتو بأنّ «الأهم من ذلك، هو بدء عملية إنهاء الاستعمار بخيار وقرارٍ واعٍ مُن المُستعمَر، فالأمر ليس خيارًا تتخذه السلطة الاستعمارية»[6].

لكن أولًا، هل تملك الأمم الأولى امتياز الاختيار؛ أي اختيار يتجاوز المستقبل النيوليبرالي والانصهار في الدولة الاستعمارية؟ هل يُمكننا تحمّل تكلفة عدم امتلاكنا خطّةً لإنهاء الاستعمار؟ وعندما نتحدث عن إنهاء الاستعمار، كيف ننقله من سياق الكلام إلى سياق الفعل؟ كيف يمكننا البدء بمسارٍ أبعد من برامج الدردشة التي تنادي بالاعتراف، والّتي رأيناها تعمل بأمرٍ وتفويضٍ من الدولة؟ كيف يُمكننا مشاركة الأمور الّتي نعرفها والتخطيط لمسار إنهاء الاستعمار والحُرية؟

بالنظر في الاحتمالات المستقبلية، تتمثل نقطة البداية في فهم تعقيدات الاستعمار، وكيف يكوّن لنفسه منطقًا لسلطة يُقصد أن تكون صلبة. في الإطار نفسه، ينبغي لنا أن نفهم أيضًا كيف يُساهم الفاعلون داخل هذا المنطق الاستعماري في المشروع المتواصل للاستعمار، وفي وهم أنّ عالم المُستعمِر هو الطبيعي. هل ثمة طريقة أخرى للوجود؟ أو هل يوجد أفق آخر وراء المنطق الاستعماري؟

إن استحالة وجود عالم غير العالم الاستعماري يُعدُ وهمًا، إذ نجح الأبورجيون في إدارة حياتهم عبر إقامة علاقة مع العالم الطبيعي منذ فجر التاريخ. هذه حقيقة وليست وهمًا. لطالما كنا هنا، بوصفنا أممًا وشعوبًا. نحن في تناقض مع مفهوم «الأرض المباحة». وهذا أفق آخر يسبق الاستعمار ويستمر في الوجود تحت أكاذيب الأرض المباحة. ما نقصده بإنهاء الاستعمار هو إعادة دولة الأبورجيين وحياتهم بطريقة لا تكون من خلال استعارة الأشياء الّتي نريد القيام بها لتحسين حياتهم وأساليبهم.

يُعد إنهاء الاستعمار أمرًا ملموسًا وحقيقيًّا في حياة الشعوب الأصلية، وليس مجرد برنامج دردشة آخر يمتدُ لعقدٍ من الزمان. إن إنهاء الاستعمار ليس محصورًا في الحديث عن «الحقوق» في المستقبل القريب، ولا يتلاشى في الأجندة النيوليبرالية للدول الاستعمارية. يقعُ إنهاء الاستعمار خارج الأجندة الّتي تعيد إنتاج خطاب حقوق ليس له أيّ صلة أو انعكاس في حياة الأبورجيين، وتقرير مصيرهم بأنفسهم. إنّ مشروع إنهاء الاستعمار بالنسبة للأمم الأولى، يُعد أكثر من مجرد رحلة بحث مدنية وسياسية عن صورة الإنسان، وهي رحلة بحث شاملة عن كل أشكال الحياة، فالإنسان يكون فيها جزءًا من كُل.

لدى لأمم الأولى التزامات بإدامة الأرض لتبقى صالحة للأجيال القادمة، وهي مسؤوليات ما زلنا نحملها. تجري هذه الالتزامات الآن، وفي كثير من الأحيان، تحت الإكراه وفي ظروف صعبة. تواصل الدولة الأسترالية تحديد المستقبل، وتحاول تحقيق التوازن بين مصالح الأبورجيين وتطوّر الشركات والصناعة. غالبًا ما يُهدد هذا المستقبل الّذي نتمسّك به ونحميه. إنّ الممارسات الزراعية غير المستدامة، واستخراج الغاز غير المألوف واستخراج الغاز الطبيعي، وتعدين اليورانيوم والتنقيب عن الفحم، كلها تشكل تهديدات واسعة النطاق لأراضي الأمم الأولى في جميع أنحاء أستراليا[7]. يعيشُ السكان في جنوب وغرب أستراليا على المياه الجوفية منذ مئة عام، أمّا الآن فيتمّ تجفيف الأحواض، وصار البديل الوحيد هو مياه البحر المُحلّاة.

لدى الأمم الأولى فهم عميق لقيمتنا في العالم، ولا يقتصر هذا الفهم على ما يعنيه أن تكون إنسانًا، ولكن من أنت بالنسبة للمكان الّذي أتيت منه وما هي علاقاتك، وماذا يعني أن تكون جزءًا من التانكينكالد والميِّنتاك والبونكانديج، أو عضوًا في أيّ أمة أولى أخرى. ثمة ضغط دائم داخل المنطق الاستعماري تجاه أن يكون أداء الناس حسب الهويات الاستعمارية المفروضة. لقد أنتجت عملية الاستعمار مجموعة من هويات الأرض المُباحة: «السكان الأصليون» و«الرعايا البريطانيون» و«المواطنون الأستراليون» و«الشخصية صاحبة الجذور الأصليّة»، وكلها تُنمذج داخل التسلسل الهرمي الاستعماري.

ما الّذي يعنيه أن تكون أبورجيني؟ كيف نكون ما نحن عليه؟ كيف نحمل المعرفة الأبورجينية الّتي ما زلنا نحملها، رغم أنّها بالنسبة للكثير ليست إلّا قطع مبعثرة أو بقايا مهترئة، بعد عملية الإبادة الجماعية الّتي وقعت مع الاحتلال الاستعماري؟ كيف يُمكننا تعزيز نقاشاتنا ومعرفتنا حول الاستعمار لنتمكن من إنهاء الاستعمار بشكلٍ أفضل؟ كيف يُمكننا أن نجري مناقشات صادقة لن تُشوّه من قِبَلِ وكلاء النيوليبرالية؟ كيف يُمكننا أن نكون نحن، وأن نقف وقفةً حقيقة عبر شعوبنا الأصلية؟ يتطلب تحقيق ذلك، الخروج من المنطق الاستعماري، وإدراك أُفُق وفضاء كياننا الأبورجيني.

معضلة الاعتراف: لماذا يعتبر إيجاد إطار عمل جديد للأبورجيين ضروريًّا لمستقبلهم؟

ما الّذي نقصده بالاعتراف؟ ومن وجهة نظر من نعملُ نحن على ترجمة وتفسير «الحقوق»؟ من يُقرر ماهية حقوق الأبورجيين؟ هل ينبغي تطبيق إطار عملٍ جديد عند صياغة حقوق الأبورجيين؟ إذا تشكلت حقوقنا بفعل شعبنا الأصلي (أبورجيتنا)، هل يُلزمنا ذلك بأن نبقى أبورجيين كما كنا دائمًا، وكما سنبقى في المستقبل؟ من وجهة النظر هذه، يجب التوضيح بأنّ تأثير أيّ موافقة على التنازل أو إسقاط الحق أو الاستيعاب، سيكون له أثر عكسي على حقنا المستمر في أن نكون وأن نتمتع بحقوقنا بوصفنا أبورجيين. إنّ إقصاء النمط الأبورجيني في الوجود هو ما أدّى إلى تأسيس الإمبراطوريّة.

يجبُ أن ننظر في التاريخ القانوني الأسترالي بعمقٍ أكبر من أجل تعزيز هذا الرأي. كيف قامت «أستراليا» على أراضي أسلافنا؟ وعلى أيّ علم وجودي ومعرفي؟ لقد أُقصَتْ معارفنا وقوانيننا القديمة بعد أن فُرِضَتْ الإمبراطورية والمستعمرات وأُنشِأ القانون الأسترالي. إن تأطير وجهات نظر الأبورجيين تجاه العالم بنمطِ وجودٍ التزامي وعلائقي، أكثر أهمية من مُقاربات الحقوق الفردية. على سبيل المثال، أنا أنتمي إلى دولة ما بسبب صلاتي وعلاقاتي، وليس لأنّني أمتلك صكّ ملكية. إنّ مُقاربة الملكية الفردية يجعلُ الانتماء الجماعي والاهتمام ببلدٍ ما، ضعيفًا أمام قوة أيّ أمر يدخل ضمن نموذج بقاء الأمور على حالها لنموذج «التقدُّم».

تشكَّل الدستور الأسترالي نتيجة عملية بناء وتأسيس وتشكيل أساس قانوني لما كان (ولا يزال) مهمة استعمارية. لقد كانت ولا تزال عملية تحويل الدول الاستعمارية القانونية والمستقلة إلى بُنى موجودة في الكومنولث Commonwealth. كان الدستور الأسترالي (ولا يزال) يدور حول حصول الإمبراطورية البريطانية على وضعٍ دستوري وشرعية، لغزو القارة الّتي تسمى الآن أستراليا. وطوال عملية تكوين وشرعنة ما هو استعماري، اعتُبِرَ أنّ الشعوب الأبورجينية الأصلية لم تكُن موجودة في الماضي، وهي في الحاضر مشكلة محلية. وُصِفنا على أننا شعوبٍ غير متحضرة و«متوحشة» و«متخلفة»، وهو وصف اشتُقَّ من أُسُس النظام القانوني الأسترالي وينعكس عليه.

إنّ التعبير اللّاتيني Terra nullius، يعني أنّ الأبورجيين لم يتمتعوا بصفة البشر قانونيًّا، بل تقاسموا هذا التعبير مع النباتات والحيوانات. ولا أرى هذا من وجهة نظري أمرًا سيئًا، فبحسب النظام القانوني الأبورجيني، تربطنا جميعًا صلة قرابة (البشر والنباتات والحيوانات)، لكن ومنذ عام 1788؛ أي منذ لحظة الغزو، لم يكن المُستعمِر يعرف أو يعي أيّة طريقة غير طريقته للعيش تحت القانون. لم يتطور الاعتراف بنا كأمم أولى حتى هذه اللّحظة، إلى أيّ درجة مرموقة من التفاهم والمشاركة على نصف الأراضي الأسترالية.

حسب المنطق الاستعماري، لم يكن من المتوقع أن ينجَو الأبورجيون بعد الغزو والإبادة الجماعية واحتلال الأراضي، بل كان المتوقع لنا جميعًا إمّا الموت أو الانصهار أو الاندماج، ولم يكن في الحسبان أبدًا اعتبارنا شعبًا ذا سيادة وفق شروطنا. ورغم كل هذا، بقينا على قيد الحياة، ولا زلنا هنا حتى اليوم، ولن نتنازل أبدًا عن أبورجينيتنا. وهكذا نجت الأمم الأولى من الاستعمار، وتستمر حاليًّا بالحياة.


[1] من السكّان الأبورجين الأصليين في أستراليا.

[2] مصطلح يُستخدم لوصم فئة من الناس ذوي العرق المختلط. اشتُقَّ المصطلح من كلمة caste الآتية من اللّاتينية castus، والّتي تعني «نقي»، واشتُقَّت منها الكلمات البرتغالية والإسبانية casta، والّتي تعني العرق. استخدم علماء الإثنوغرافيا مصطلحات مثل النقي ونصف النقي وربع النقيّ والسلالة المختلطة على نطاق واسع في جميع أنحاء الإمبراطورية البريطانية لمحاولة تصنيف «السكان الأصليين»، واستُخدمت في أستراليا في أثناء السعي لتطبيق سياسة الاستيعاب. أمّا في أمريكا اللّاتينية، فقد كان المصطلح المكافئ لأنصاف الأنقياء هو Cholo وZambo.

[3] تعبير من القانون الروماني، ويُترجم إلى الإنجليزية Nobody’s land، ويعني أنّ الأرض المعنية أرض مُباحة، ويستخدم المصطلح في القانون الدولي لتبرير احتلال الأراضي من دولة مُعينة.

[4] Mabo v Queensland [No 2] (1992) 175 CLR 1.

[5] قُدّم طلبُ اتخاذ إجراءات عاجلة من قِبَلِ مجموعة من شعوب الأمم الأولى الّتي تعيش تحت تأثيرات «تدخل الإقليم الشمالي» إلى لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري في شباط/ فبراير 2009. ناقش طلب العمل العاجل تعليق الكومنولث في أستراليا لقانون التمييز العنصري لعام 1975، وفشل الحكومة الأسترالية في التشاور بشكلٍ مناسب مع مجتمعات السكان الأصليين المتضررة، وهو ما ينتهك المواد 2 و5 و6 و7 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والتي فُتحت للتوقيع في 21 كانون الأول/ ديسمبر 1965، ودخلت حيّز النفاذ في 4 كانون الثاني/ يناير 1969. أدى طلب العمل العاجل إلى أن يطلب رئيس اللّجنة القضاءَ على جميع أشكال التمييز العنصري وأن تلغي الحكومة الأسترالية تعليقها لقانون التمييز العنصري. كما طُلب من الحكومة إعادة تصميم تدابير «الاستجابة الطارئة» بالتشاور مع مجتمعات السكان الأصليين المتأثرة بالتشريع.

[6] Natsu Saito, “Asserting Plenary Power Over the ‘Other’: Indians, Immigrants, Colonial Subjects, and Why the U.S Jurisprudence Needs to Incorporate International Law,” Yale Law & Policy Review, vol. 20, no. 2 (2002), p. 479.

[7] يقع أكبر منجم لليورانيوم في العالم في روكسبي داونز Roxby Downs بجنوب أستراليا. أدى المنجم ومنشأة المعالجة إلى تدهور البيئة الطبيعية المحيطة، والاعتماد على المياه الجوفية للحوض الارتوازي الضخم حول بحيرة إير، أرض شعب آرابونا. تدّعي الدولة بأنّها حصلت على الموافقة لتطوير المنشأة، إلّا أنّ شيخ شعب الآرابونا كيفن بوزاكوت Kevin Buzzacott ما زال يحتجّ على تطوير المنشأة منذ ثمانينيات القرن العشرين، وأصرّ على أنّه لا يمكن للأبورجيني أبدًا أن يعطي موافقة على التدمير الّذي حصل حول المنجم. تستخدم منشأة المعالجة 50 مليون لتر من المياه يوميًّا. تُسحب المياه من احتياطيات المياه الجوفية القديمة الّتي تربط بيننا جميعًا عبر احتياجاتنا المستقبلية، ولا ينبغي إهدارها في تركيز خامات المعادن الثقيلة. تقترح الشركة الكندية Cameco بناء منجم جديد على أراضي شعوب مارتو في غرب أستراليا. يدّعي العديد من شعب مارتو من الأمم الأولى بأنّهم لم يوافقوا على العملية، فواصل شعب المارتو احتجاجهم في عام 2016 على المنجم الجاري تطويره.

Angus Sargent, “Martu People Leave on 110km March in Protest Against Pilbara Uranium Mine,” ABC News, 4/6/2016, accessed on 20/2/2021 at: https://ab.co/2NDJPe7

Share on facebook
Share on twitter
Share on pinterest
Share on whatsapp
Share on email
Share on linkedin

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الأخبارية؟

سجّل بريدك الإلكتروني

الرجاء تعبة النموذج لحجز مساحة في الجاليري

طلب حجز مساحة في جاليري 28

سيتم التواصل معكم لإتمام الحجز

الرجاء تعبة النموذج لطلب مشاركتك باضافة محتوى في الموقع، مع العلم انه سيتم التواصل معكم لاعلامكم بنتائج الطلب او مناقشة أي تفاصيل

طلب المشاركة بمحتوى

ملاحظة: امتدادات الملفات المقبول pdf, doc,docx