نشأ جدل كبير لا يمكن إغفاله حول ما أضافته التكنولوجيا من صبغتها على الأدب، أو ما هدمته من الجدران الأربعة حول مربع الأدب والأدباء الذي كان سابقاً، أي قبل عصر التكنولوجيا، يعتبر أمراً غاية في الصعوبة النيل منه.

 الأمر يزداد صخباً على مواقع التواصل الاجتماعي، ففي كل لحظة يولد أحدهم في مدار الكتابة، إنه لشيء حسن أن تهرب من قبضة الناشر، ومن هيبة أن يجهض شاعر نرجسي تجربتك في الكتابة عندما تعرض عليه ما كتبته وتظنه أفضل ما لديك، تلك الجرأة التي منحتها منصات التواصل الاجتماعي لمن لديهم الشغف في الكتابة هي، في حد ذاتها، مُتنفس لا يمكن تفويته، فهي المساحة التي تعرض من خلالها ذاتك للآخرين كما تودها أن تكون، أو كما هي عليه في الحقيقة، طريقة طارئة على الجسد الأدبي، لا أحد يعرف إلى أين من الممكن أن تصل بنا ذات يوم، استسهال يكاد يقارب الفوضى في عين الكتّاب الذين تشكلت تجربتهم بعيداً عن هذا الممر السريع، ولهفة لا يمكن تفويتها من شاب أو صبية يدفعهما موج الكتابة، وكأنها فرصة لطرق الخزان البعيد الذي كانت تنفرد به فئة يغلقون على أنفسهم، ويكسرون كافة الطرق التي تسمح بانضمام عضو جديد إليهم، إلا حسبما يرونه هم، وهم فقط! أضف إلى تلك الفرصة كمّ الإعجابات المتزايد من الأصدقاء الافتراضيين، وتعليقاتهم على ما يتم البوح به بشكل يومي، من الممكن أن يكون ذلك لامتلاكه الأدوات التي تجعل منه كاتباً، أو ربما من أجل أن تتمّ المبادلة، أي إعجاب بإعجاب!

عن تجربتي:

لا يمكن إخفاء كون الأمر ممتعاً أن تضع حالتك اليومية على موقع فيس بوك بأسلوبك الفني، وما تمتلكه من أدوات تتنامى بفعل ما تستثمر من ذهنك وحواسك في مطالعة الكتب، التي هي وقود الكاتب في مسيرته، وبعد دقائق تجد الإعجابات والتعليقات والإطراءات من الأصدقاء المتابعين الذين يزداد عددهم بشكل مستمر، الأمر يشبه أن تزرع نبتة، وتراها تنمو لحظياً أمام عينيك، إنها في الحقيقة جمال لا يمكن مقاومته، لدرجة أن من ابتعد عنه من الكتّاب القدامى، فقد الكثير من بريقه الخاص، وهو ما دفع أغلبهم لفك العزلة والانخراط في هذا الركب المجنون.

القصيدة التي تفرض عليك المساحة الزرقاء طقوسها أصبحت، بعد التراكم التدريجي في التجربة، بمثابة ثابت يومي من المتعة الناتجة عن تجميل لفرضية الوجع بأنك تحيا في بقعة معزولة عن العالم، وتتعرض لأقسى هيئات العيش، المتعة بأن تطرح حالتك على شكل جملتين شعريتين أو ومضة قصيرة، ومتابعة ما ألقته من أثر على المتابعين. وفي حين أن تلك التجربة تزامنت وثلاثة حروبٍ أنضجت ما يحويه القِدر قبل أوانه، صار لجملتي، وغيري من الشعراء المستجدين على “فيس بوك”، عطاء يقارب المسؤولية في الطرح، فكانت تنقل مأساة شعب يعيش تحت وحشية القصف المتواصل، وتعرض خصوصية الدم الفلسطيني المهدور بسهولة أمام المئات ممن كانوا يتابعون ما نكتب بشكل يومي أثناء الحرب.

 التجربة صارت تقف على أرض صلبة بعد أن منحني الفيس بوك بوابة للفوز بجائزة متحف محمود درويش كثاني أفضل قصيدة عن الحرب على غزة، وقد كانت على مستوى الوطن العربي، كان ذلك في نهاية عام 2014، وتبعها فوزي بجائزة مؤسسة بدور للتنمية الثقافية على مستوى الوطن العربي، وقد تمت طباعة كتابي الأول بعنوان “للموت رائحة الزجاج” في كانون الثاني 2015، وآخر ثمار التجربة الإلكترونية كان دعوتي من قبل وزارة الثقافة الفلسطينية لتمثيل وفد فلسطين في معرض عمان الدولي للكتاب في أيلول 2016.

مع مرور الوقت صار لدي الكثير من الجمل المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي مما أطرحه على البوابة الإلكترونية، والعديد من القصائد المنشورة في المواقع والصحف العربية والفلسطينية، وهو أمر غاية في الجمال، ويعيد إليك راجع الإثمار للتجربة وانتشارها بشكل ترضى عنه. لكن عليّ أن أعود إلى أمر الاستسهال والجانب السيء للتجربة، فالكثير من الأفكار التي تناولتها في كتاباتي تم انتهاكها بالسرقة، لعدم وجود حقوق الحماية التي تحفظ للكاتب حقه على فيس بوك، وصار أمراً سهلاً أن يقوم أحدهم بتناول نفس الفكرة في نفس يوم نشرها، وتحويرها والعبث فيها، وتقديمها على أنها من بناته، لدرجة أن أغلب ما يعرض على فيس بوك من منتج أدبي صار في طور التشابه والابتذال. هذا ما دفعني جدياً للتفكير بالتوقف عن النشر هناك لحفظ منتجي الأدبي، على أن أقول بأن العالم الأزرق قد يورد الآلاف ممن يكتبون في الوطن العربي، لكنه لن يقدم إلا القليل ممن يستحقون بأن نتناول تجربتهم بتسليط الضوء عليها.

  • نُشرت هذه الشهادة ضمن ملّف العدد 8.0 من مجلة 28
Share on facebook
Share on twitter
Share on pinterest
Share on whatsapp
Share on email
Share on linkedin

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الأخبارية؟

سجّل بريدك الإلكتروني

الرجاء تعبة النموذج لحجز مساحة في الجاليري

طلب حجز مساحة في جاليري 28

سيتم التواصل معكم لإتمام الحجز

الرجاء تعبة النموذج لطلب مشاركتك باضافة محتوى في الموقع، مع العلم انه سيتم التواصل معكم لاعلامكم بنتائج الطلب او مناقشة أي تفاصيل

طلب المشاركة بمحتوى

ملاحظة: امتدادات الملفات المقبول pdf, doc,docx