إلى الرجل الذي صار في الثلاثين، ولم يعد يستطيع، كما أنه ليس من اللائق الآن، أن يبكي.
كان ينبغي أن يكون سهلاً كما تخيلتَ دائماً، كما سمعت وقرأت وتصورت، كما همستْ لك الفتاة الجميلة التي كانت تجلس خلفك في الجامعة، حين نكزَت ظهرك بطرف أصابعها وأخبرتك أنه “الحب” الذي يجعلها متوردة على الدوام، وليست أقلام الحمرة كما كنت تعتقد ببلاهة.
كان ينبغي أن يكون هكذا، بسيطاً وصادماً وسهلاً، مثل سهولة البحث عن سبب يبرر لاحقاً تزامن غيابكما معاً عن الدروس، وجلوسكما معاً في المقاهي والأماكن العامة “من أجل المذاكرة”.
كان لزاماً أن يكون كما أخبرتك أمك التي لا تكذب، عذباً وناصعاً، لا صلباً ولا خدّاعاً، كما يرى أبوك، وليس بالتأكيد قاتلاً متدرجاً كما يعتقد أخوك، رغم أنك شاهدته مرة يلف حول عنقه حبلاً، ولم تصدق حتى الآن أنه الحب.
كان عليه أن يكون لك وحدك، بعد أن نزع كل الآباء دميتك من يديك، ولم تنتصر لك الأمهات العاجزات بعد أن تركك الإخوة وحيداً، والعشيقات “نفدن” بجلودهن، وصرت هرماً وعاجزاً، حتى تسمّر أمام وحدتك الأصدقاء.
كان ينبغي أن يكون مبهجاً، ولك وحدك، أنت الذي تنازع الأطفال من يديك الحلوى والنقود، وتنازع الكبار منك الفرح والذكريات، ولم يكن لديك سوى هذه القصة المشوهة عن الحب الذي لا يجرح ولا يؤذي، ويدوم ويدوم ويدوم.
والذي يحدث الآن أنك تضع رأسك بين ركبتيك، كما يضع شاعرٌ عبارةً مقتبسة بين هلالين، لتقول إن هذه الرأس ليست لي، إنها رأس سواي، وأستخدمها هنا فقط لتقريب المعنى. وإلا كيف يمكن أن تكتب رأسٌ وهي تختبئ بين ركبتين، خوفاً أو خجلاً لا يهم، المهم أنها تختبئ.
ورغم أنك أخيراً لم تعد تصدق قصتك المشوهة تلك، إلا أن الرجل الذي جاوز الثلاثين لم يعد يستطيع، كما أنه ليس من اللائق الآن، أن يضع رأسه بين ركبتيه، ويبكي.